معجم مصطلحات الصوفية - مقدمة

1) المكتبة العربية والمتخصصون بحاجة إليه نظرا لعدم وجود كتاب يجمع كل الجهود التى بذلت فى شرح اصطلاحات الصوفية .
2) تشمل هذه المرحلة من العمل عشرة كتب تناولت اصطلاحات الصوفية وهى : 1- اللمع للطوسى . 2- الرسالة للقشيرى . 3- كشف المحجوب للهوجيرى . 4- اصطلاحات الصوفية لابن عربى . 5- عوارف المعارف للسهروردى . 6- اصطلاحات الصوفية للكاشانى . 7- اصطلاحات الصوفية فى التعريفات للجرجانى . 8- رسالة مصطلحات الصوفية لشيخ الإسلام زكريا . 9- معراج التشوف لابن عجيبة . 10- جامع أصول الأولياء للكمشخانوى .
3) وقد وضعنا فى هذه المدونة مصطلحات كل عالم منهم فى مقال مستقل ، مرتبا هجائيا حيث ورد فى أغلب مصادرهم غير مرتب ، مع بيان صفحة الورود فى الكتاب المشار إليه ، بحيث يمكن الاطلاع على كلامه وحده ، كما يمكن باستخدم خاصية (البحث) داخل المدونة عن مصطلح ما الوصول إلى كلام جميعهم عنه ، فتجتمع بذلك الخاصتان : الاطلاع على كلام كل شيخ منهم على حدة – الاطلاع على كلام جميعهم فى مصطلح ما بعينه .
4) يقتصر هذا المعجم على المصطلحات التصوف فقط ، دون أبواب التصوف من البدايات والمقامات والأحوال والنهايات والتى تشمل موضوعات التصوف عامة ، حيث فرق الأئمة كالطوسى وأبى طالب المكى والقشيرى والكلاباذى والسهروردى والكاشانى بين اصطلاحات التصوف وأبوابه .

الأحد، ١١ نوفمبر ٢٠٠٧

3- مصطلحات الصوفية عند الهوجيرى من خلال كتابه كشف المحجوب :

كشف المحجوب للهوجيرى([1])
كشف الحجاب العاشر
فى بيان منطقهم وحدود
ألفاظهم وحقائق معانيهم(
[2])قال الهوجيرى :
اعلم أسعدك الله أن لأهل كل صنعة وأرباب كل معاملة مع بعضهم البعض عبارات وكلمات فى جريان أسرارهم ، وكلمات لا يعرف معناها سواهم . والمراد من وضع العبارات شيئان : أحدهما لحسن تفهيم وتسهيل الغوامض ، لتكون أقرب إلى فهم المريد ، والثانى لكتمان السر عمن لا يكون أهلا لهذا العلم من الناس . والأدلة على ذلك واضحة ، فكما أن أهل اللغة مخصوصون بعبارات موضوعهم مثل : الرفع والنصب والفتح والخفض والجزم والجر والكسر والمنصرف وغير المنصرف وما شابه هذا ، وأهل العروض مخصوصون بعبارات فى موضوعهم مثل : البحور والدوائر والوتد والفاصلة والفرد والزوج وما شابه هذا ، والمحاسبين مخصوصون بعباراتهم مثل : الضرب والجذر والإضافة والتضعيف والتنصيف والجمع والتفريق وما شابه هذا ، والفقهاء مخصوصون بعباراتهم مثل : العلة والمعلول والقياس والاجتهاد والدفع والالتزام وما شابه هذا ، والمحدثين كذلك لهم عباراتهم مثل : المسند والمرسل والآحاد والمتواتر والجرح والتعديل وما شابه هذا ، والمتكلمين لهم أيضا عباراتهم المخصوصة مثل : العرض والجوهر والكل والجزء والجسم والجنس والتحيز والتولى وما شابه هذا فى طريقتهم ويظهرونها لمن يريدون ، ويخفونها عمن يريدون ، فلأبين بعض هذه الكلمات بشرح أكثر ، وأفرق بين هذه الكلمات ، وأبين ما مرادهم من كل منها ، لتتم الفائدة لك ولقراء هذا الكتاب إن شاء الله .
النوع الأول
1- الحال والوقت والفرق بينهما :
الوقت : معروف بين هذه الطائفة ، وللمشايخ فيه أقوال كثيرة ، ومرادى هو إثبات التحقيق لا تطويل البيان .
فالوقت : هو ما يكون العبد فيه فارغا من الماضى والمستقبل عندما يتصل وارد من الحق بقلبه ، ويجعل سره مجتمعا فيه ، بحيث لا يذكر فى كشفه الماضى ولا المستقبل ، فليس لكل الخلق قدرة فى هذا ، ولا يعرفون علام مرت السابقة ، وعلام ستكون العاقبة ، وأرباب الوقت يقولون : علمنا لا يستطيع إدراك العاقبة ولا السابقة ، ولنا فى الوقت سرور مع الحق ، فإذا ما انشغلنا بالغد أو خطر على قلبنا التفكير فى الأمس نحجب عن الوقت ، والحجاب تشتت ، فكل ما لا تصل إليه اليد يكون التفكير فيه محالا ، كما يقول أبو سعيد الخراز رحمه الله : لا تشغل وقتك العزيز إلا بأعز الأشياء . وأعز أشياء العبد شغله بين الماضى والمستقبل ، لقوله عليه السلام : لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل ، ولهذا السبب فإنه حين عرضه عليه فى ليلة المعراج زينه ملك الأرض والسماء لم ينظر إلى أى شىء ، لقوله تعالى { ما زاغ البصر وما طغى } ، لأنه كان عزيزا ، ولا يشغل العزيز إلا بالعزيز . وأوقات الموحد وقتان : أحدهما فى حال الفقد ، والثانى فى حال الوجد ، واحد فى محل الوصال ، والآخر فى محل الفراق ، وفى كلا الوقتين يكون مقهورا ، لأنه فى الوصل يكون وصله بالحق ، وفى الفصل يكون فصله بالحق ، واختياره واكتسابه لا يثبت فى هذه الأثناء حتى يمكن أن يوصف ، وحين تنقطع يد اختيار العبد عن وقته يكون ما يفعله ويراه الحق .
ويرد عن الجنيد رضى الله عنه أنه قال : رأيت درويشا فى البادية جالسا تحت أشواك شجرة أم غيلان فى مكان صعب وبمشقة تامة ، فقلت : يا أخى ! ما أجلسك هنا ؟ فقال : اعلم أنه كان لى وقت ضاع هنا ، فجلست الآن أتوجع عليه . فقلت : منذ كم من السنين ؟ قال : منذ اثنتى عشرة سنة ، فليبذل الشيخ الآن همة فى الأمر ، لعلى أصل إلى مرادى ، وأستعيد وقتى . قال الجنيد : فمضيت وأديت الحج ودعوت له ، فاستجيبت الدعوة ، وبلغ مراده . فلما رجعت وجدته جالسا فى نفس المكان ، فقلت : أيها الشاب ! لقد استعدت وقتك ، فلماذا لا تتحول عن هذا المكان ؟ فقال : أيها الشيخ ! لقد كنت ألازم المكان الذى كان محل وحشتى وأضعت فيه رأس مالى ، فهل يجوز الآن أن أترك المكان الذى استعدت فيه رأس مالى ، وهو محل أنسى ؟ فليذهب الشيخ بسلام لأنى سأخلط ترابى بتراب هذا الموضع ، حتى أرفع رأسى يوم القيامة من هذا التراب الذى هو محل أنسى وسرورى . وهنا يقول المتنبى :
(شعر عربى )
وكل مكان ينبت العز طيب
فكل امرئ يولى الجميل محبب

والوقت لا يتأتى تحت كسب العبد حتى يحصل بالتكلف ، ولا يباع أيضا فى السوق ليدفع الروح ثمنا له ، ولا إرادة له فى جلبه ودفعه ، وكلا طرفيه متساويان فى رعايته ، واختيار العبد فى تحقيقه باطل . وقد قال المشايخ : " الوقت سيف قاطع " ، لأن صفة السيف القطع ، وصفة الوقت القطع ، لأن الوقت بقطع جذور المستقبل والماضى ، ويمحو عن القلب هموم الأمس والغد ، فالصحبة مع السيف خطر : " أما ملك وأما هلك " ، فإذا خدم قطع رقبة صاحبه ورقبة غيره ، لأن صفته القهر ، ولا يزول قهره باختيار صاحبه ، والله أعلم .
والحال : وارد على الوقت ، يزينه ، مثل الروح وللجسد ، والوقت لا محالة يحتاج إلى الحال ، لأن صفاء الوقت يكون بالحال ، وقيامه به ، فحين يكون صاحب الوقت صاحب حال ، ينقطع عنه التغير ، ويستقيم فى كل أيامه وقتا ، ولا يجوزعليه الزوال ، وكل ما يبدو مجيئا وذهابا فهو الكمون والظهور . وكما أن صاحب الوقت قبل هذا كان نازل الوقت ومتمكن الغفلة ، فهو الآن نازل الحال ومتمكن الوقت ، لأن الغفلة تجوز على صاحب الوقت ولا تجوز على صاحب الحال . وقد قيل " الحال سكوت اللسان فى فنون البيان " ، فلسان صاحب الحال ساكت فى بيان حاله ، ومعاملته ناطقة بتحقيق حاله ، ولهذا السبب قال أحد الشيوخ رضى الله عنه : " السؤال عن الحال محال " إذ أن العبارة عن الحال محال ، لأن الحال فناء المقال .
ويقول الإستاذ أبو على الدقاق رحمه الله : الثبور أو السرور فى الدنيا والعقبى هو الوقت الذى تكون فيه .
ثم إن الحال لا يكون كذلك لأنه وارد من الحق إلى العبد ، فإذا جاء نفى كل ذلك من القلب ، مثل يعقوب عليه السلام ، فقد كان صاحب وقت ، فكانت عيناه تبيض تارة من الفراق فى الفراق ، وتصير مبصرة تارة من الوصال فى الوصال ، وكان حينا من البكاء كالشعرة ، وحينا من الأنين كالقصبة ، وحينا من الروح كالروح ، وحينا من السرور كالسرو . وكان إبراهيم عليه السلام صاحب حال ، ولم يكن يرى الفراق ليحزن ، ولا الوصال ليسر ، وكان النجم والقمر والشمس كلها مددا لحاله ، وكان هو فارغ القلب من رؤيتها جميعا ، حتى أنه كان يرى الحق فى كل ما ينظر إليه ، ويقول : {لا أحب الآفلين} ([3]) ، فحينا يكون العالم جحيما لصاحب الوقت ، لأنه يكون غيبة فى المشاهدة ، ويكون قلبه فى افتقاد الحبيب محلا للوحشة ، وحينا يكون قلبه كالجنان بالسرور فى نعيم المشاهدة ، لأنه فى كل زمان يكون تحفة وبشارة من الحق فى الوقت .
وأيضا إذا كان الحجاب بلية لصاحب الحال ، أو الكشف نعمة له ، فإن الكل يكون لديه سواء ، لأنه يكون دائما فى محل الحال ، فالحال صفة المراد ، والوقت درجة المريد ، فواحد يكون فى راحة الوقت مع نفسه ، وواحد يكون فى فرح الحال مع الحق ، فشتان ما بين المنزلتين .
2- ومن ذلك : المقام والتمكين والفرق بينهما :
المقام : عبارة عن إقامة الطالب على أداء حقوق المطلوب بشدة اجتهاده وصحة نيته . ولكل واحد من مريدى الحق مقام كان السبب لهم فى ابتداء الطلب . ومهما يصب الطالب من كل مقام ويمر بكل منها ، فإنه يستقر فى أحدها ، لأن المقامات والإرادات من تركيب الجبلة لا المسلك والمعاملة ، كما أخبرنا الله فى قوله المقدس عز من قائل : { وما منا إلا له مقام معلوم ([4])} ، فكان مقام آدم التوبة ، ومقام نوح الزهد ، ومقام إبراهيم التسليم ، ومقام موسى الإنابة ، ومقام داود الحزن ، ومقام عيسى الرجاء ، ومقام يحيى الخوف ، ومقام محمد الذكر ، صلوات الله عليهم أجمعين .
ومهما يكن لكل واحد فى كل محل سر ، فإن رجوعهم آخر الأمر أيضا إلى مقاماتهم الأصلية .
وقد بينت فى مذهب المحاسبية طرفا من المقامات ، وفرقت بين الحال والمقام ، ولكنه لا بد من ( ذكر ) هذا هنا .
اعلم أن طريق الله على ثلاثة أقسام : الأول : المقام ، والثانى : الحال ، والثالث : التمكين ، وقد أرسل الله عز وجل جميع الأنبياء لبيان طريقه ، ليبينوا حكم المقامات . وجميع الأنبياء والرسل جاءوا بمائة وأربعة وعشرين ( ألف ) مقام ( وأكثر ) ، وبمجىء محمد عليه السلام ظهر لأهل كل مقام حال واتصل به ، بحيث ينقطع كسب الخلق عنه ، حتى تم الدين على الخلق ، وبلغت النعمة غايتها ، لقوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى}([5]) ، وعندئذ ظهر تمكين المتمكنين ، وإذا أردت أن أحصى الأحوال جميعا وأشرح المقامات لعجزت عن المراد .
أما التمكين : فهو عبارة عن إقامة المحققين فى محل الكمال والدرجة العليا ، فيمكن لأهل المقامات العبور من المقامات ، والعبور من درجة التمكين محال ، لأن الأول درجة المبتدئين ، والثانى مستقر المنتهين ، ويكون العبور من البداية إلى النهاية ، ولا وجه لتجاوز النهاية ، لأن المقامات منازل الطريق ، والتمكين قرار الحضرة ، وأحباء الحق يكونون فى الطريق عارية ، وفى المنازل غرباء وأسرارهم فى الحضرة ، والآلة فى الحضرة آفة ، والأدوات غيبة وعلة .
وكان الشعراء فى الجاهلية يمدحون ممدوحهم بالمعاملة ، ولم يكونوا ينظمون الشعر حتى يقطعوا المسافات الطويلة ، بحيث إنه عندما كان شاعر يصل إلى حضرة ممدوحه كان يسل سيفه ، ويعقر دابته ، ويحطم سيفه ، وكان مراده من هذا أن يقول : إن الدابة كانت تلزمنى لأقطع بها المسافة إلى حضرتك ، والسيف لأمنع به حسادى عن خدمتك ، والآن وقد وصلت ( إليك ) ، ففيم جدوى آلة المسافة ؟ قتلت الدابة لأنى لا أجيز الرجوع عنك ، وحطمت السيف حتى لا أخطر على قلبى الانقطاع عن حضرتك . وحين كانت تمر عدة أيام ، كانوا عندئذ ينشدون الشعر .
وقد أمر الحق تعالى موسى صلوات الله عليه بهذا أيضا ، إذ لما وصل إلى محل التمكين بقطع المنازل وعبور المقامات ، سقطت عنه أسباب التلوين ، وقال تعالى: {فاخلع نعليك}([6]) ، {وألق عصاك} ، لأنهما آلة المسافة ، وآلة المسافة محال فى حضرة الوصلة ، فبداية المحبة الطلب ، وانتهاؤها الاستقرار ، والماء يجرى ما دام فى النهر ، فإذا وصل إلى البحر استقر ، وإذا استقر تغير طعمه ، حتى لا يميل إليه كل من يلزمه الماء ، ويميل إلى صحبته من تلزم له الجواهر حتى يقول بترك الروح ، ويربط على رجليه مثقلة الطلب ، ويغوص فى البحر منكس الرأس ، فإما أن يحصل على الجواهر العزيزة المكنونة ، وأما أن يسلم روحه لشرك الفناء فى طلبها .
ويقول واحد من المشايخ رضى الله عنهم : "التمكين رفع التلوين " ، والتلوين أيضا من عبارات هذه الطائفة مثل الحال والمقام ، وهى قريبة من بعضها البعض فى المعنى ، ومرادهم من التلوين : التغير والتحول من حال إلى حال . والمراد من ذلك أن لا يكون المتمكن مترددا ، ويكون قد حمل متاعه جملة إلى الحضرة ، ومحا من قلبه التفكير فى الغير ، فلا تجرى عليه معاملة لتبدل حكم ظاهرة ، ولا يلزمه حال ليغير حكم باطنه مثلما كان موسى صلوات الله عليه متلونا ، فما أن نظر الحق تعالى نظرة إلى طور التجلى حتى ذهب وعيه ، كما قال الله تعالى {وخر موسى صعقا }([7]) . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم متمكنا ، فكان من مكة حتى قاب قوسين فى عين التجلى ، ولم يتحول عن حاله ، ولم يتغير ، وهذه هى الدرجة العليا ، والله أعلم .
فالتمكن على نوعين : الأول ما تكون نسبته إلى شاهد النفس ، والآخر ما تكون إضافته إلى شاهد الحق ، فما تكون نسبته إلى شاهد النفس يكون باقى الصفة ، وما تكون حوالته إلى شاهد الحق يكون فانى الصفة . ولا يصح لفانى الصفة المحو والصحو والمحق والفناء والبقاء الموصوف مستغرقا يسقط عنه حكم إقامة الوصف . ويرد فى هذا المعنى كلام كثير ، وقد اقتصرت على هذا تركا للتطويل ، والله أعلم .

3- ومن ذلك : المحاضرة والمكاشفة والفرق بينهما :
اعلم أن المحاضرة تطلق على حضور القلب فى لطائف البيان ، والمكاشفة تطلق على تحير السر فى خطر العيان ، فالمحاضرة تكون فى شواهد الآيات ، والمكاشفة فى شواهد المشاهدات . وعلامة المحاضرة دوام التفكر فى رؤية الآية ، وعلامة المكاشفة داوم التحير فى كنه العظمة ، وهناك فرق كبير بين من يتفكر فى الأفعال ، وبين من يتحير فى الجلال ، فواحد من هذين يكون رديف الخلة ، والآخر قرين المحبة : أم رأيت أنه حين نظر الخليل صلوات الله عليه فى ملكوت السماوات ، وتأمل وتفكر فى حقيقة وجودها ، حضر قلبه بذلك ، وصار برؤيته للفعل طالبا للفاعل ، حتى إن حضوره صير الفعل دليلا للفاعل ، وقال فى كمال المعرفة : { إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا }([8]) . وعندما حمل الحبيب إلى الملكوت غض الطرف عن رؤية الكل ، فلم ير الفعل ، ولم ير الخلق ، ولم ير نفسه ، حتى كوشف بالفاعل ، فازداد فى الكشف شوقا على شوقه ، وازداد قلقا على قلقه ، فطلب الرؤية ، فلم تبد الرؤية ، فطلب القربة ، فلم تمكن القربة ، فقصد الوصلة ، فلم تتحقق الوصلة ، وكلما ازداد حكم تنزيه الحبيب ظهورا على القلب ، ازداد شوقه إلى الحبيب ، ولم يكن هناك وجه للإعراض أو الإمكان ، فتحير ، فحيثما كانت الخلة بدت الحيرة كفرا ، وحيثما كانت المحبة صارت الوصلة شركا ، وصارت الحيرة هى الأصل ، لأن الحيرة هنالك كانت فى الوجود ، وذلك شرك ، وكانت هنا فى الكيفية ، وهذا توحيد ، ولهذا قال الشبلى رحمه الله : " يا دليل المتحيرين زدنى تحيرا " ، لأن زيادة التحير فى المشاهدة تكون زيادة فى الدرجة .
ومشهور فى الحكايات فى هذا المعنى أنه عندما كان أبو سعيد الخراز رضى الله عنه مع إبراهيم بن سعد العلوى على شاطئ البحر ، شاهدا أحد أحباء الله ، فسألاه : ما طريق الحق ، قال : الطريق إلى الحق طريقان : أحدهما طريق العامة ، والثانى طريق الخاصة . فقالا : اشرح ، فقال : طريق العوام هو الذى تسير فيه ، فتقبل لعلة ، وترد لعلة . وطريق الخواص هو أنهم يرون معلل العلة لا العلة . وقد مر شرح حقيقة هذه الحكايات ، وليس المراد غير هذا ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .
4- ومن ذلك : القبض والبسط والفرق بينهما :
اعلم أن القبض والبسط حالتان من الأحوال التى يسقط تكلف العبد ، كما أن مجيئها لا يكون بالكسب ، ولا ذهابها بالجهد ، قوله تعالى { والله يقبض ويبسط }([9]) . فالقبض عبارة عن قبض القلوب فى حالة الحجاب ، والبسط عبارة عن بسط القلوب فى حالة الكشف ، وكلا هذين من الحق ، بغير تكلف العبد .
والقبض فى حال العارفين مثل الخوف فى حالة المريدين ، والبسط فى حال العارفين مثل الرجاء فى حال المريدين ، فى قول الطائفة التى تحمل القبض والبسط على هذا المعنى .
وفريق من المشايخ على أن رتبة القبض أرفع من رتبة البسط ، لمعنيين : أولهما : أن ذكره مقدم فى الكتاب ( أى القرآن ) ، والثانى : أن فى القبض انصهار وقهر ، وفى البسط تدليل ولطف ، وانصهار البشرية وقهر النفس أفضل لا محال من رعايتها ، لأنها الحجاب الأعظم .
وطائفة على أن رتبة البسط أرفع من رتبة القبض ، لأن تقديم ذكر القبض فى الكتاب علامة تقديم فضل المؤخر عليه ، لأنه فى عرف العرب يجعلون الشىء المؤخر فى الفضل مقدما فى الذكر ، كما قال الله تعالى : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله }([10]) ، وقال أيضا : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين }([11]) . وقوله تعالى { يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين }([12]) . وأيضا : فى البسط سرور ، وفى القبض ثبور ، وسرور العارفين لا يعرف إلا فى الوصول ، وثبورهم لا يكون إلا فى الفصل ، فالقرار فى محل الوصول أفضل من القرار فى محل الفراق .
وكان شيخى رحمه الله يقول : إن القبض والبسط كلاهما بمعنى واحد ، لأنهما يصلان من الحق إلى العبد ، لأنه عندما يظهر أثر ذلك المعنى على القلب فأما أن يسر به السر وتقهر به النفس ، وأما أن يقهر به السر وتسر النفس ، فواحد يكون فى قبض سره بسط نفسه ، وآخر يكون فى بسط سره قبض نفسه ، لأن التعبير عن ذلك بغير هذه العبارة يكون تضييع أنفاس ، ولذلك قال بايزيد رحمه الله : قبض القلوب فى بسط النفوس ، وبسط القلوب فى قبض النفوس " . فالنفس المقبوضة محفوظة من الخلل ، والسر المبسوط مضبوط من الزلل ، لأن الغيرة فى المحبة مذهب ، والقبض علامة غيرة الحق ، ومعاتبة الحبيب للحبيب شرط ، والبسط علامة المعاتبة .
ومعروف فى الآثار أن يحيى لم يضحك طيلة حياته ، وأن عيسى لم يبك طول عمره ، صلوات الله عليهما ، لأن أحدهما كان منقبضا ، والآخر كان منبسطا ، فلما التقيا قال يحيى : يا عيسى ! هل أمنت القطيعة . فقال عيسى : يا يحيى ! هل يئست من الرحمة ؟ فلا بكاؤك يغير الحكم الأزلى ، ولا ضحكى بغير القضاء المبرم .
فلا قبض ، ولا بسط ، ولا طمس ، ولا أنس ، ولا محو ، ولا محق ، ولا عجز ، ولا جهد إلا ما كان تقديرا وحكما سابقا ، والله أعلم .
5- ومن ذلك : الأنس والهيبة والفرق بينهما :
اعلم أسعدك الله أن الأنس والهيبة حالتان من أحوال صعاليك طريق الحق ، وذلك أنه حين يتجلى الحق تعالى على قلب العبد بشاهد الجلال يكون نصيبه فى ذلك الهيبة ، وأيضا حين يتجلى على قلب العبد بشاهد الجمال يكون نصيبه فى ذلك الأنس ، ليكون أهل الهيبة من جلاله فى تعب ، وأهل الأنس من جماله فى طرب . وفرق بين القلب الذى يحترق من جلاله فى نار المحبة ، والقلب الذى يضىء من جماله فى نور المشاهدة .
وقد قالت طائفة من المشايخ : إن الهيبة درجة العارفين ، والأنس درجة المريدين ، لأن كل من تكون قدمه فى حضرة الحق وتنزيه أوصافه أثبت ، يكون سلطان الهيبة ، على قلبه أقوى ، ويكون طبعه أكثر نفورا من الأنس ، لأن الأنس يكون مع الجنس ، ولما كانت مجانسة العبد ومشاكلته للحق مستحيلة فلا يتحقق له أنس معه ، وأنسه ( أى الله ) أيضا بالخلق محال . وإذا أمكن الأنس فإنه يكون ممكنا مع ذكره ، وذكره غيره ، لأنه صفة العبد ، والأنس مع الغير فى المحبة كذب دعوى ووهم . والهيبة أيضا فى المشاهدة عظمة ، والعظمة صفة الحق جل جلاله . وفق كبير بين عبد يكون أمره من نفسه بنفسه ، وعبد يكون أمره من فنائه ببقاء الحق .
ويحكى عن الشبلى رحمه الله أنه قال : كنت أظن مدة طويلة أننى أطرب فى محبة الحق ، وآنس بمشاهدته ، الآن أدركت أنه لا أنس للإنس إلا مع الجنس .
وقالت طائفة أيضا : إن الهيبة قرينة العذاب والفراق والعقوبة ، والأنس نتيجة الوصل والرحمة ، ليكون الأحبة محفوظين من أخوات الهيبة ، وأقرأنا للأنس ، لأن المحبة لا محالة تقتضى الأنس . وكما أن المجانسة للمحبة محال ، فإنها محال أيضا للأنس .
وكان شيخى رحمه الله يقول : إنى لأعجب ممن يقول إن الأنس مع الحق غير ممكن ، من بعد أن قال : { وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب }([13]) و { إن عبادى }([14]) و { قل لعبادى }([15]) و { يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون }([16]) . وحين يرى العبد هذا الفضل فإنه يحبه لا محالة ، وعندما يحبه يأنس به ، لأن الهيبة من الحبيب غربة ، والأنس وحدة ، وصفة الآدمى هى أنه يأنس بالمنعم ، ولنا من الحق نعم كثيرة ، ومعرفتنا به تكون محالا إذ نتحدث عن الهيبة .
وأنا على بن عثمان (المتكلم هنا المؤلف صاحب كشف المحجوب) أقول : إن كلا الطائفتين مصيبتان فى هذا ، مع اختلافهما ، لأن سلطان الهيبة يكون مع النفس وهواها ، وإفناء للبشرية . وسلطان الأنس يكون مع السر ، وتربية المعرفة فى السر ، فالحق تعالى يفنى نفوس الأحبة بتجلى الجلال ، ويبقى أسرارهم بتجلى الجمال ، فمن كانوا أهل فناء قدموا الهيبة ، ومن كانوا أرباب بقاء فضلوا الأنس ، وقد شرح هذا قبل ذلك فى باب الفناء والبقاء ، والله أعلم .
6- ومن ذلك : القهر واللطف والفرق بينهما :
اعلم أن هاتين عبارتان للصوفية يعبرون بهما عن حالهم . ومرادهم من القهر : تأييد الحق بإفناء المرادات ، ومنع النفس عن الرغبات ، من غير أن يكون لهم فى ذلك مراد . والمراد من اللطف : تأييد الحق ببقاء السر ، ودوام المشاهدة ، وقرار الحال فى درجة الاستقامة ، إلى حد أن قالت طائفة : إن الكرامة من الحق حصول المراد ، وهؤلاء أهل اللطف . وقالت طائفة : إن الكرامة هى أن الحق تعالى يرد العبد عن مراد نفسه إلى مراده ، ويقهره بغير مراده ، بحيث إذا ذهب إلى البحر فى حال الظمأ يجف البحر .
يقال : إنه كان فى بغداد درويشان من محتشمى الصوفية ، كان أحدهما صاحب قهر ، والآخر صاحب لطف ، وكانا يتجادلان دائما ، وكان كل منهما يفضل حاله على حال صاحبه ، فكان واحد يقول : إن اللطف من الحق إلى العبد أشرف الأشياء لقوله تعالى : {الله لطيف بعباده}([17]) ، وكان الآخر يقول : أن القهر من الله إلى العبد أكمل الأشياء ، لقوله تعالى : {وهو القاهر فوق عباده}([18]) ، وقد طال هذا الكلام بينهما ، إلى أن قصد صاحب اللطف مرة مكة ، فأوغل فى البادية ، ولم يصل إلى مكة ، ولم يعرف أحد عنه شيئا سنين طويلة ، حتى جاء واحد من مكة إلى بغداد فى وقت ، فرآه على قارعة الطريق ، فقال له : يا أخى ! حين تذهب إلى العراق قل لرفيقى فى الكرخ : إذا أردت أن ترى البادية مع مشقتها مثل كرخ بغداد بعجائبها ، فتعال وانظر ، فها هى البادية قد صارت بالنسبة لى مثل كرخ بغداد . فلما جاء الدرويش وطلب رفيقه ، وأدى الرسالة ، قال الرفيق : حين تعود قال له : لا شرف فى أن جعلت البادية الشاقة بالنسبة إليك مثل كرخ بغداد ، حتى لا تفر من الحضرة ، ولكن الشرف هو أن تجعل كرخ بغداد بكل ما فيها من نعم وعجائب بالنسبة لشخص مثل بادية شاقة ليكون فيها مسرورا .
ويرد على الشبلى رضى الله عنه أنه قال فى مناجاته : يا إلهى ! إذا صيرت السماء طوقا لى ، والأرض قيدا لرجلى ، وجعلت العالم كله متعطشا لدمى فإننى لا أتحول عنك ! . وقال شيخى : فى سنة من السنين اجتمع الأولياء فى البادية وأخذنى شيخى الحصرى رضى الله عنه معه إلى هناك ، فرأيت جماعة كان كل منهم مقبلا على نجيب ، وجماعة كانوا يحضرونهم على بخت ، وجماعة كانوا يطيرون . وكل من كانوا يجيئون من هذا القبيل لم يكن الحصرى يلتفت إليهم ، حتى رأيت شابا قادما بنعلين ممزقين وعصا محطمة ، وقد كلت قدماه ، ورأسه حاسر ، وجسده محترق ، فهب الحصرى وتقدم إليه ، وأجلسه فى درجة عالية ، فتعجبت ، وسألت الشيخ بعد ذلك ، فقال : إنه ولى من أولياء الله تعالى وتقدس ، غير تابع للولاية ، بل الولاية تابعة له ، ولا يلتفت إلى الكرامات .
وجملة القول فإن ما نختاره لأنفسنا هو بلاء لنا ، وأنا لا أريد غير ما يحفظنى الحق فيه من الآفة ، ويخلصنى فيه من شر نفسى ، فإذا جعلنى فى القهر لا أتمنى اللطف ، وإذا جعلنى فى اللطف لا أتمنى القهر ، فليس لى اختيار مع اختياره ، وبالله التوفيق وحسبنا الله ونعم الرفيق .
7- ومن ذلك : النفى والإثبات والفرق بينهما :
مشايخ هذه الطريقة رضى الله عنهم أسموا محو الصفة بإثبات تأييد الحق : نفيا وإثباتا ، وأرادوا بالنفى : نفى صفة البشرية ، وبالإثبات : إثبات سلطان الحقيقة ، لأن المحو ذهاب الكل ، ونفى الكل لا يقع إلا على الصفات ، لأن الفناء لا يكون على الذات فى حال بقاء البشرية ، فيجب نفى الصفات المذمومة بإثبات الخصال المحمودة : يعنى نفى الدعوى فى محبة الحق تعالى بإثبات المعنى ، لأن الدعوى من رعونات النفس . وجريا على عاداتهم فى حكم الأوصاف جعلوها مقهورة لسلطان الحق ، ويقولون : إن نفى الصفات البشرية يكون بإثبات بقاء الحق . وقد سبق الكلام فى هذا المعنى قبل ذلك فى باب الفقر والصفوة والفناء والبقاء ، وقد اقتصرت على ذلك .
ويقولون أيضا : إن المراد بهذا هو نفى اختيار العبد بإثبات اختيار الحق ، ولهذا السبب قال ذلك الموفق : " اختيار الحق لعبده مع علمه بعبده خير من اختيار عبده لنفسه مع جهله بربه ". لأن المحبة هى نفى اختيار المحب بإثبات اختيار المحبوب .
وقد وجدت فى الحكايات أن درويشا غرق فى البحر ، فقال له رجل : يا أخى ! هل تريد أن تنجو ؟ قال : لا ، قال : أتريد أن تغرق . قال : لا ، قال : إنه لأمر عجيب ، لا تختار الهلاك ، ولا تطلب النجاة ؟ فقال : ما شأنى بالاختيار حتى اختار ؟ اختيارى هو ما يختاره لى الحق .
وقال المشايخ الأخيار : إن أقل درجات المحبة نفى الاختيار ، فاختيار الحق أزلى ولا يمكن نفيه ، واختيار العبد عرضى ويجوز عليه النفى ، فيجب على العبد أن يدوس الاختيار العرضى ليدرك البقاء بالاختيار الأزلى ، مثل موسى صلوات الله عليه حينما انبسط على الجبل مع الحق تعالى فتمنى الرؤية ، وقال بإثبات اختياره ، فقال الحق { لن ترانى }([19]) ، قال : يا إلهى ! الرؤية ، حق ، وأنا مستحق ، فلم المنع ؟ فجاء الأمر : الرؤية حق ، أما الاختيار فى المحبة فباطل .
ويرد فى هذا المعنى كلام كثير ، ولكن مقصودى ليس أكثر من أن تعرف ما مقصود القوم من هذه العبارة . وقد مر من هذا كله ذكر التفرقة والجمع ، والفناء والبقاء ، والغيبة والحضور فى مذاهب المتصوفة ، حيث ذكر الصحو والسكر ، فمن له إشكال فليطلب هذه المعانى هنالك ، لأن محل بيان كل هذا هناك ، ولكن بحكم الضرورة جئت هنا بهذا القدر ، لأشرح بذلك مذهب كل منهم .
8- ومن ذلك : المسامرة والمحادثة والفرق بينهما :
وهاتان الكلمتان تعبران عن حالين من أحوال الكاملين فى طريق الحق ، وحقيقة هذا الكلام سر مقرون بسكوت اللسان ، أى : إن المحادثة وحقيقة المسامرة هما دوام الانبساط بكتمان السر . وظاهر المعنى هو أن المسامرة وقت للعبد مع الحق ليلا ، والمحادثة وقت له مع الحق نهارا ، يكون فيه السؤال والجواب ظاهريا وباطنيا ، ولهذا السبب يسمون مناجاة الليل : مسامرة ، ودعوات النهار : محادثة ، فحال النهار مبنى على الكشف ، وحال الليل مبنى على الستر . والمسامرة فى المحبة أكمل من المحادثة .
والمسامرة تتعلق بحال النبى صلى الله عليه وسلم ، فحين أراد الحق تعالى أن يكون له وقت معه ، أرسل إليه جبريل بالبراق ، حتى أوصله فى الليل من مكة إلى قاب قوسين ، وناجى الحق ، وسمع كلامه ، ولما بلغ النهاية خرس لسانه فى كشف الجلال ، وحار قلبه فى كنة العظمة ، وعجز علمه عن الإدراك ، فعجز لسانه عن العبارة ، فكان يقول : " لا أحصى ثناء عليك " .
والمحادثة تتعلق بحال موسى عليه السلام ، لأنه حين أراد أن يكون له مع الحق تعالى وقت ، جاء إلى الطور بعد أربعين يوما من الوعد والانتظار ، وسمع كلام الله تعالى ، حتى انبسط ، وطلب الرؤية ، وعجز عن المراد ، وغاب عن الوعى ، فلما عاد إلى وعيه قال : { تبت إليك }([20]) حتى ظهر الفرق بين من جىء به : قوله تعالى : { سبحان الذى أسرى بعبده ليلا }([21]) وبين من جاء : قوله تعالى : { لما جاء موسى لميقاتنا }([22]) ، فالليل وقت خلوة الأحبة ، والنهار وقت خدمة العبيد ، ولا محالة من أن العبد حين يتجاوز الحد ، لأن كل ما يفعله الحبيب لا يكون إلا مقبولا لدى الحبيب ، والله أعلم بالصواب .
9- ومن ذلك : علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين والفرق بينهما :
اعلم أن هذه فى حكم الأصول عبارات عن العلم ، والعلم بلا يقين على صحته لا يكون علما ، وإذا حصل العلم ، تكون الغيبة فيه مثل العيان ، لأن المؤمنين غدا يرون الحق تعالى على نفس الصفة التى تعرفونه بها اليوم ، سواء رأوه على خلاف هذا ، أو أن الرؤية لا تصح فى الغد ، أو أن العلم لا يصح اليوم . وهذان كلاهما طرفا الخلاف فى التوحيد ، لأن علم الخلق به صحيح اليوم ، ورؤيتهم له صحيحة فى الغد ، فعلم اليقين مثل عين اليقين ، وحق اليقين مثل علم اليقين . ومن قالوا باستغراق العلم فى الرؤية فذلك محال ، لأن الرؤية آلة لحصول العلم ، مثل السماع وما شابه هذا ، وما دام استغراق العلم فى السماع محال ، فإنه يكون أيضا محالا فى الرؤية ، فمراد هذه الطائفة بعلم اليقين هذا هو العلم بمعاملات الدنيا وأحكام الأوامر ، ومرادهم من عين اليقين هو العلم بحال النزع وقت الرحيل عن الدنيا ، ومرادهم من حق اليقين هو العلم بكشف الرؤية فى الجنة ، وكيفية أحوالها بالمعاينة ، فعلم اليقين هو درجة العلماء بحكم استقامتهم على أحكام الأمور ، وعين اليقين هو مقام العارفين بحكم استعدادهم للموت ، وحق اليقين هو فناء ؟؟؟ الأحبة بحكم أعراضهم عن كل الموجودات . فعلم اليقين بالمجاهدة ، وعين اليقين بالمؤانسة ، وحق اليقين بالمشاهدة . والأول عام ، والثانى خاص ، والثالث خاص الخاص ، والله أعلم بالصواب .
10- ومن ذلك : العلم والمعرفة والفرق بينهما :
لم يفرق علماء الأصول بين العلم والمعرفة ، وقالوا : إن كلاهما سواء ، غير أنهم قالوا : يجوز أن يقال للحق تعالى عالما ، ولا يجوز أن يقال عارفا ، لعدم التوافق . أما مشايخ هذه الطريقة رضى الله عنهم فهم يسمون العلم المقرون بالمعاملة والحال – وهو العلم الذى يعبر عن أحوالهم – بالمعرفة ، ويسمون العالم به عارفا . ويسمون العلم المجرد من المعنى والخالى من المعاملة علما ، ويسمون العالم به عالما ، فمن يكن عالما بالعبارات المجردة ، وحفظها بدون حفظ المعنى ، يسموه عالما ، ومن يكن عالما بمعنى الشىء وحقيقته يسمونه عارفا ، ولذلك فإن هذه الطائفة حين يريدون الاستخفاف بأقرانهم يسمونهم علماء ، وهذا يبدو للعوام منكرا ، وليس مرادهم ذمهم بحصول العلم ، بل مرادهم ذمهم بترك المعاملة ، لأن العالم قائم بنفسه ، والعارف قائم بربه . وقد مر الحديث فى هذا فى كشف حجاب المعرفة ، ويكفى هنا هذا القدر ، والله أعلم .
11- ومن ذلك : الشريعة والحقيقة والفرق بينهما :
هاتان عبارتان لهؤلاء القوم يعبرون بإحداهما عن صحة حال الظاهر ، وبالثانية عن إقامة حال الباطن , وقد أخطأ فريقان فى هذا المعنى : أحدهما علماء الظاهر الذين يقولون : إننا لا نفرق بينهما ، لأن الشريعة هى الحقيقة ، والحقيقة هى الشريعة ، والثانى : فريق الملاحدة الذين لا يجيزون قيام كل واحدة منهما مع الأخرى ، ويقولون : إنه إذا انكشفت الحقيقة ارتفعت الشريعة ، وهذا قول القرامطة والشيعة وموسوسيهم . والدليل على أن الشريعة منفصلة عن الحقيقة فى الحكم هو أن التصديق فى الإيمان منفصل عن القول .
والدليل على أنهما غير منفصلتين فى الأصل أن التصديق بدون القول لا يكون إيمانا ، والقول بدون التصديق لا يكون إيمانا . والفرق ظاهر بين القول والتصديق ، فالحقيقة عبارة عن المعنى الذى لا يجوز عليه النسخ ، وحكمه متساو منذ عهد آدم حتى فناء العالم : مثل معرفة الحق ، وصحة معاملة النفس بخلوص النية . والشريعة عبارة عن المعنى الذى يجوز عليه النسخ والتبديل ، مثل أحكام الأوامر ، فالشريعة هى فعل للعبد ، والحقيقة هى حفظ الله وعصمته جل جلاله للعبد .
فإقامة الشريعة بدون وجود الحقيقة محال ، وإقامة الحقيقة بدون حفظ الشريعة محال ، ومثلهما كمثل شخص حى بالروح ، فعندما تنفصل عنه الروح يصير جيفة ، وتصير الروح ريحا ، فقيمتهما فى اقترانهما ببعضهما البعض . وكذلك الشريعة تكون بدون الحقيقة رياء ، وتكون الحقيقة بدون الشريعة نفاقا ، قوله تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }([23]) ، فالمجاهدة شريعة ، والهداية حقيقة ، والأولى هى حفظ العبد لأحكام الظاهر على نفسه ، والثانية هى حفظ الحق لأحوال الباطن عن العبد . والشريعة من المكاسب ، والحقيقة من المواهب ، وإذا صار هذا مسلما ، فإنه يوجد فرق كبير بينهما ، والله أعلم .

[النوع الثانى]
والنوع الآخر من هذه الحدود هو العبارات التى تقبل الاستعارة فى كلامهم ويصير حكمها بالتفصيل والشرح أصعب ، وسأبين هذا النوع على سبيل الاختصار إن شاء الله تعالى .
1) الحق : مرادهم من الحق : " الله " ، لأن هذا اسم من أسماء الله ، لقوله تعالى : { ذلك بأن الله هو الحق }([24]) .
2) الحقيقة : مرادهم بهذا اللفظ : إقامة العبد فى محل وصل الله ، ووقوف سره على محل التنزيه .
3) الخطرات : ما يخطر على القلب من أحكام الطريقة .
4) الوطنات : ما يتوطن فى السر من المعانى الإلهية .
5) الطمس : نفى العين بحيث لا يبقى منها أثر .
6) الرمس : نفى العين مع الأثر من القلب .
7) العلائق : الأسباب التى يتعلق بها الطالبون ويتخلفون عن المراد .
8) الوسائط : الأسباب التى يصلون بالتعلق بها إلى المراد .
9) الزوائد : زيادة الأنوار بالقلب .
10) الفوائد : إدراك سر لا بد منه .
11) الملجأ : اعتماد القلب بحصول مراده .
12) المنجى : خلاص القلب من محل الآفة .
13) الكلية : استغراق الأوصاف الآدمية بالكلية .
14) اللوائح : إثبات المراد مع سرعة نفيه .
15) اللوامع : إظهار النور على القلب مع بقاء فوائده .
16) الطوالع : طلوع أنوار المعارف على القلب .
17) الطوارق : وارد إلى القلب بالبشارة ، أو الزجر فى مناجاة الليل .
18) اللطيفة : إشارة إلى القلب عن دقائق الحال .
19) السر : إخفاء حال المحبة .
20) النجوى : إخفاء الآفات عن اطلاع الغير .
21) الإشارة : إخبار الغير عن المراد بغير عبارة اللسان .
22) الإيماء : تعريض الخطاب بدون إشارة وعبارة .
23) الوارد : حلول المعانى بالقلب .
24) الانتباه : زوال الغفلة عن القلب .
25) الاشتباه : إشكال الحال فى طرفى حكم الحق والباطل .
26) القرار : زوال التردد عن حقيقة الحال .
27) الانزعاج : تحرك القلب فى حال الوجد .
هذا هو معنى بعض ألفاظهم على سبيل الاختصار ، وبالله العون والعصمة .
[النوع الثالث]
نوع آخر من حدود هذه الألفاظ التى يستعملونها فى توحيد الله تعالى ، ويستعملونها فى بيان اعتقادهم فى الحقائق بدون استعارة ، ومنها :
28) العالم : والعالم عبارة عن مخلوقات الله . ويقولون : ثمانية عشر ألف عالم ، وخمسون ألف عالم . والفلاسفة يقولون أنه عالمان : علوى ، وسفلى . وعلماء الأصول يقولون : كل ما هو موجود من العرش إلى الثرى : عالم . وفى الجملة : العالم هو اجتماع المختلفات . وأهل هذه الطريقة أيضا يقولون : عالم الأرواح ، وعالم النفوس ، ومرادهم غير مراد الفلاسفة ، لأن مرادهم اجتماع الأرواح والنفوس .
29) المحدث : المتأخر فى الوجود ، أى الذى لم يكن ، وكان بعد ذلك .
30) القديم : السابق فى الوجود ، وهو دائم ، وكان وجوده سابقا على كل الموجودات ، وذا لا يكون إلا الله تعالى .
31) الأزل : ما ليس له أول .
32) الأبد : ما ليس له آخر .
33) الذات : وجود الشىء وحقيقته .
34) الصفة : ما لا يقبل النعت لأنه غير قائم بذاته .
35) الاسم : غير المسمى .
36) التسمية : خبر عن المسمى .
37) النفى : ما يقتضى عدم المنفى .
38) الإثبات : ما يقتضى وجود المثبت .
39) الشيئان : ما يجوز وجود أحدهما بالآخر .
40) الضدان : ما لا يجوز وجود أحدهما مع بقاء وجود الآخر فى حال واحد .
41) الغيران : ما يجوز وجود كل واحد منهما بدون الآخر .
42) الجوهر : أصل الشىء القائم بنفسه .
43) العرض : ما يقوم بالجوهر .
44) الجسم : ما يكون مؤلفا من أجزاء متناثرة .
45) السؤال : طلب الحقيقة .
46) الجواب : الإخبار عن مضمون السؤال .
47) الحسن : ما يوافق الأمر .
48) القبيح : ما يخالف الأمر .
49) السفه : ترك الأمر .
50) الظلم : وضع الشىء فى غير موضعه ، وفيما لا يناسبه .
51) العدل : وضع كل شىء فى مكانه .
52) الملك : هو من لا يمكن الاعتراض عليه فيما يفعل .
هذه هى حدود الألفاظ التى لا بد للطالبين من معرفتها ، على سبيل الاختصار ، وبالله العون والتوفيق ، وحسبنا الله ونعم الرفيق .
[النوع الرابع]
ونوع آخر ، وهو العبارات التى تحتاج إلى شرح ، ومتداولة بين المتصوفة ، وليس مقصودهم بها ما هو معلوم لأهل اللسان من ظاهر اللفظ .
53) الخاطر : يريدون بالخاطر الأول فى الأمور ، لأنه يكون من الحق تعالى وتقدم إلى العبد بدون علة . ويقال إنه بدا لخير النساج خاطر أن الجنيد ببابه ، فدفع هذا الخاطر عنه ، فجاء خاطر آخر لمدده ، فانشغل بدفعه أيضا ، فجاء خاطر ثالث ، فخرج ، ورأى الجنيد رضى الله عنه واقفا بالباب ، فقال له : يا خير ‍ لو أنك اتبعت الخاطر الأول ، وأديت سنة المشايخ ، لما لزمنى أن أقف كثيرا بالباب . وقد قال المشايخ : إذا كان ذلك هو الخاطر الذى خطر لخير ، فما ذلك الإشراف الذى كان للجنيد . قيل : الجنيد كان شيخا لخير ، ولا محالة أن يكون الشيخ مشرفا على كل أحوال مريده .
54) الواقع : يريدون بالواقع : المعنى الذى يظهر فى القلب ويبقى ، وذلك على خلاف الخاطر ، ولا يكون للطالب بأى حال آلة لدفعه ، مثلما يقولون : خطر على قلبى ، ووقع فى قلبى ، فالقلوب كلها محل الخواطر . أما الواقع فلا يكون إلا على القلب الذى يكون حشوه كل حديث المحق . ومن ذلك أنه حين يظهر للمريد قيد فى طريق الحق يقال له قيد ، ويقولون : وقعت له واقعة . وأهل اللسان يريدون بالواقع : الإشكال فى المسائل ، وحين يجيب أحد عليه ويرتفع الإشكال يقولون : انحلت الواقعة ، أما أهل التحقيق فيقولون : إن الواقع هو ما لا يجوز عليه الحل ، وما ينحل يكون خاطرا لا واقعا ، لأن قيد أهل التحقيق لا يكون فى شىء حقير يتغير حكمه فى كل وقت ويتحول عن حاله .
55) الاختيار : يريدون بالاختيار : أن يختاروا اختيار الحق على اختيارهم ، أى أنهم يرضون بما يختاره الحق لهم من الخير والشر ، واختيار العبد لاختيار الحق تعالى يكون أيضا باختيار الحق ، [أنه لو لم يختره الحق تعالى بلا اختيار لما ترك اختياره . وسئل أبو يزيد رضى الله عنه : من هو الأمير ؟ فقال : من لم يبق له اختيار ، وصار اختيار الحق له اختيارا . ويرد عن الجنيد رضى الله عنه أنه أصابته الحمى مرة ، فقال : يا إلهى ‍ عافنى ، فنودى فى سره : من أنت حتى تتكلم فى ملكى وتختار ، وأنا أعرف تدبير ملكى أحسن منك ، فاختر اختيارى ولا تظهر نفسك باختيارك ، والله أعلم .
56) الامتحان : يريدون بالامتحان : امتحان قلوب الأولياء بأنواع البلايا التى تأتى من الحق تعالى ، من خوف وحزن وقبض وهيبة وأمثال ذلك ، لقوله تعالى : { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ، لهم مغفرة وأجر عظيم ([25])} ، وفى هذا درجة عظيمة .
57) البلاء : ويريدون بالبلاء امتحان أجساد الأحبة بأنواع المشقات والأمراض والآلام ، لأنه كلما كان البلاء أكثر قوة على العبد فإنه يكون أكثر قربا للحق ، لأن البلاء لباس الأولياء ، ومهد الأصفياء ، وغذاء الأنبياء صلوات الله عليهم : ألم تر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ((أشد البلايا للأنبياء ثم الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء )) . وجملة القول فإن البلاء اسم للألم الذى ينهمر على القلب المؤمن وجسده وتكون حقيقته النعمة ، وبحكم أن سره يكون خافيا على العبد فإنه يثاب عليه باحتماله آلامه . ثم إن ما يصيب الكافرين لا يكون بلاء بل يكون شقاء ، ولا يكون للكافرين من الشقاء شفاء أبدا . فمرتبة البلاء أعظم من مرتبة الامتحان ، لأن تأثير الامتحان يكون على القلب ، أما تأثير البلاء فيكون على القلب والجسد ، والله أعلم .
58) التحلى : التحلى هو الانتساب إلى قوم محمودين فى القول والعمل ، وقوله عليه السلام : " ليس الإيمان بالتحلى والتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل " ، فشبهك بقوم بدون حقيقة معاملتهم هو التحلى . وأولئك الذين يتظاهرون ولا يكونون كذلك ، سرعان ما يفتضحون ويذيع سرهم ، ومهما يكونوا عند أهل التحقيق ، فإنهم هم أنفسهم فضيحة ، وسرهم مكشوف .
59) التجلى : هو تأثير أنوار الحق بحكم الإقبال على قلوب المقبلين الجديرين بأن يروا الحق بقلوبهم . والفرق بين هذه الرؤية ورؤية العيان هى أن المتجلى إذا أراد يرى ، وإذا أراد لا يرى ، أو يرى وقتا ولا يرى وقتا آخر . أما أهل العيان فى الجنة فإنهم إذا أرادوا ألا يروا فإنهم لا يستطيعون ألا يروا ، لأن الستر يجوز على التجلى ، ولا يجوز الحجاب على الرؤية ، والله أعلم .
60) التخلى : هو الإعراض عن الأشغال المانعة للعبد عن الله : وأولها مشاغل الدنيا ، بحيث يخلى يده منها بحكم تشريف العناية . وثانيها : أن يقطع عن قلبه إرادة العقبى . وثالثها : أن يحلى السر من متابعة الهوى . ورابعها : أن يعرض عن صحبة الخلق ، ويخلى القلب من التفكير فيهم .
61) الشرود : معنى الشرود هو طلب الحق بالخلاص من الآفات والحجب وعدم الاستقرار فيها ، لأن جميع بلايا الطالب تقع من الحجاب . وهم يسمون حيل الطلاب لكشف الحجاب ، وأسفارهم ، وتعلقهم بكل شىء شرودا . وكل من يكون أكثر قلقا فى بداية الطلب ، يكون أكثر وصولا وتمكنا فى انتهائه .
62) القصود : مرادهم من القصود صحة العزيمة على طلب حقيقة المقصود . وقصد هذه الطائفة غير منعقد فى الحركة والسكون ، لأن الحبيب وإن يكن ساكنا فى المحبة فإنه يكون قاصدا ، وهذا مخالف للمعتاد ، لأن قصد القاصدين إما أن يكون منه تأثير على ظاهرهم ، أو يكون منه دليل على باطنهم ، لأن الأحبة يكونون قاصدين بغير علة طلبهم وحركاتهم ، وتكون كل صفاتهم قصد الحبيب .
63) الاصطناع : يريدون بهذا الكلمة أن يهذب الله تعالى العبد بفناء جميع الأنصبة عنه ، وزوال جميع الحظوظ ، ويبدل فيه أوصافه النفسانية حتى يفنى عن نفسه بزوال النعوت وتبديل الأوصاف . والمخصوصون بهذه الدرجة هم الأنبياء عليهم السلام دون الأولياء . وجماعة من المشايخ غيرهم يجيزون هذه الصفة على الأولياء أيضا .
64) الاصطفاء : الاصطفاء هو أن يفرغ الحق تعالى قلب العبد لمعرفته ، حتى تنشر معرفته صفاءها فيه . وجميع المؤمنين الخاص منهم والعام سيان فى هذه الدرجة : من عاص ومطيع ، وولى ، ونبى ، لقوله تعالى { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات }([26]) . وقالت طائفة : إن الرين هو ما لا يمكن زواله بأى صفة ، لأن قلب الكافر لا يتقبل الإسلام ، ومن يسلمون منهم كانوا مؤمنين فى علم الله عز وجل .
65) الرين : الرين حجاب على القلب لا يكون كشفه إلا بالإيمان . وهو حجاب الكفر والضلالة لقوله تعالى { كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }([27]) . وقالت طائفة : إن الرين هو ما لا يمكن زواله بأى صفة ، لأن قلب الكافر لا يتقبل الإسلام ، ومن يسلمون منهم كانوا مؤمنين فى علم الله عز وجل .
66) الغين : الغين حجاب على القلب يرتفع بالاستغفار ، وهو على نوعين : واحد خفيف ، وواحد غليظ . والغليظ هو ما يكون لأهل الغفلة والكبائر ، والخفيف يكون لكل الخلق من نبى وولى ، لقوله عليه السلام : ((إنه ليغان على قلبى وإنى لأستغفر الله فى كل يوم مائة مرة)) ، فيلزم للغين الغليظ : التوبة بشروطها ، وللخفيف : الرجوع الصادق إلى الحق .
67) التوبة : هى الرجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعن النفس إلى الحق . فهم يتوبون عن الجرم ، وجرم العباد مخالفة الأمر ، وجرم الأحبة مخالفة الإرادة ، وجرم العباد : المعصية ، وجرم الأحبة : رؤية وجودهم . ويقال لمن يرجع عن الخطأ إلى الصواب : تائب ، ولمن يرجع عن الصواب إلى الصواب : آيب . وقد ذكرت هذا كله فى باب التوبة ، والله أعلم .
68) التلبيس : يسمون إظهار الشىء للخلق على خلاف حقيقته تلبيسا ، لقوله تعالى : {وللبسنا عليهم ما يلبسون }([28]) .
69) الشرب : هذه الطائفة يسمون حلاوة الطاعة ولذة الكرامة وراحة الأنس شربا . ولا يستطيع أحد أبدا عَمَلَ عَمَلٍ بلا شرب ، وكما أن شرب الجسد من الماء ، فشرب القلب من الراحات ، وحلاوة الطاعة . وكان شيخى رضى الله عنه يقول : يجب أن يكون المريد والعارف غريبين عن شرب الإرادة والمعرفة . ويقول قائل : يجب أن يكون للمريد شرب من عمله ، حتى يؤدى حق الطلب فى الإرادة ، ولا يلزم أن يكون للعارف شرب ، حتى لا يأنس بغير الحق إلى الشرب والراحات التى ترجع إلى النفس .
70) الذوق : الذوق مثل الشرب ، ولكن الشرب لا يستعمل إلا فى الراحات ، والذوق يحسن للمشقة والراحات ، كأن يقول قائل : ذقت الخلاف ، وذقت البلاء ، وذقت الراحة ، فكل هذا يصح . ويقال أيضا للشراب : شربت بكأس الوصل ، وبكأس الود ، وأمثال هذا كثير ، قوله تعالى : { كلوا واشروبوا هنيئا }([29]) . وحين ذكر الذوق قال : {ذق إنك أنت العزيز الكريم }([30]) . وفى موضع آخر قال : { ذوقوا مس سقر }([31]) .
هذه هى أحكام حدود ألفاظهم المتداولة التى ذكرتها ، وإذا أثبتها كلها يطول الكتاب ، والله أعلم بالصواب .
انتهى كلام الهوجيرى .
([1]) الهجويرى ، أبو الحسن على بن عثمان الغزنوى (ت 465 هـ) : كشف المحجوب ، دراسة وترجمة عن الفارسية وتعليق الدكتورة إسعاد عبد الهادى قنديل ، راجع الترجمة : الدكتور أمين عبد المجيد بدوى . القاهرة : المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، لجنة التعريف بالإسلام ، الكتاب التسعون ، 1415 هـ / 1994 م ، 2 مج .
([2]) للهوجيرى ترتيب خاص فى كلامه ، ولهذا رأينا ترك تقسيمه وترتيبه على ما هو عليه ، استثناء مما وعدنا به من ترتيب المصطلحات هجائيا ، حيث سيؤدى هذا إلى اختلال كلام الهوجيرى .
([3]) سورة الأنعام ، آية 76 .
([4]) سورة الصافات ، آية 164 .
([5]) سورة المائدة ، آية 3 .
([6]) سورة طه ، آية 12 .
([7]) سورة الأعراف ، آية 143 .
([8]) سورة الأنعام ، آية 79 .
([9]) سور البقرة ، آية 245 .
([10]) سورة فاطر ، آية 32 .
([11]) سورة البقرة ، أية 222 .
([12]) سورة آل عمران ، آية 43 .
([13]) سورة البقرة آية 186 .
([14]) سورة الحجر ، آية 42 .
([15]) سورة إبراهيم ، آية 31 .
([16]) سورة الزخرف ، آية 68 .
([17]) سورة الشورى ، آية 19 .
([18]) سورة الأنعام ، آية 18 .
([19]) سورة الأعراف ، آية 143 .
([20]) سورة الأعراف آية 143 .
([21]) سورة الإسراء ، آية 1 .
([22]) سورة الأعراف آية 143 .
([23]) سورة العنكبوت ، آية 69 .
([24]) سورة الحج ، آية 6 .
([25]) سورة الحجرات ، آية 3 .
([26]) سورة فاطر ، آية 32 .
([27]) المطففين ، آية 14 .
([28]) سورة الأنعام ، آية 9 .
([29]) سورة المرسلات ، آية 43 .
([30]) سورة الدخان ، آية 49 .
([31]) سورة القمر ، آية 48 .

الخميس، ١ نوفمبر ٢٠٠٧

2- مصطلحات الصوفية عند القشيرى من خلال الرسالة القشيرية

بسم الله الرحمن الرحيم
مصطلحات الصوفية عند القشيرى من خلال كتابه : الرسالة القشيرية(
[1])
1) البواده والهجوم عند القُشَيرى (1/188) : البواده : ما يفجأ قلبك من الغيب على سبيل الوهلة ، إما موجب فرح ، وإما موجب ترح . والهجوم : ما يرد القلب بقوةَّ الوقت ، من غير تصنع منك . ويختلف فى الأنواع على حسب قوَّة الوارد وضعفه . فمنهم من تغيره البواده ، وتصرفه الهواجم . ومنهم من يكون فوق ما يفجؤه حالاً وقوة .
2) التلوين والتمكين عند القُشَيرى (1/189) : التلوين : صفة أرباب الأحوال . التمكين : صفة أهل الحقائق . فما دام العبد فى الطريق فهو صاحب تلوين ، لأنه يرتقى من حال إلى حال ، وينتقل من وصف إلى وصف ويخرج من مرحل ويحصل فى مربع ، فإذا وصل تمكن . واعلم ان التغير بما يرد على العبد يكون لأحد أمرين : إمَّا لقوة الوارد ، أولضعف صاحبه . والسكون من صاحبه لأحد أمرين : إمَّا لقوته ، أو لضعف الوارد عليه .
3) التواجد ، والوجد ، والوجود عند القُشَيرى (1/161) : فالتواجد : استدعاء الوجد بضرب اختيار ، وليس لصاحبه كمال الوجد ؛ إذ لو كان لكان واجدًا ، وباب التفاعل أكثره على إظهار الصفة ، وليست كذلك . فالتواجد : ابتداء الوجد على الوصف الذى جرى ذكره ، وبعد هذا الوجد . والوجد : ما يصادف قلبك ، ويرد عليك بلا تعمد وتكلف ولهذا قال المشايخ : الوجد : المصادفة والمواجيد : ثمرات الأوراد . فكل من ازدادت وظائفه من الله لطائفه .
4) جمع الجمع عند القُشَيرى (1/168) : وجمع الجمع : فوق هذا . يختلف الناس فى هذه الجملة على حسب تباين أحوالهم ، وتفاوت درجاتهم : فمن أثبت نفسه ، وأثبت الخلق ، ولكن شاهد الكل قائمًا بالحق ، فهذا هو : جمع . وإذا كان مختطفًا عن شهود الخلق ، مصطلمًا عن نفسه ، مأخوذًا بالكلية عن الإحساس بكلِّ غير ، بما ظهر ، واستولى من سلطان الحقيقة ، فذاك جمع الجمع . فالتفرقة : شهود الأغيار لله عزَّ وجلَّ . والجمع : شهود الأغيار بالله . وجمع الجمع : الاستهلاك بالكلية ، وفناء الإِحساس بما سوى الله عز وجل عند غلبات الحقيقة . وبعد هذا حالة عزيزة يسميها القوم .
5) الجمع والفرق عند القُشَيرى (1/166) : لفظ " الجمع والتفرقة " يجرى فى كلامهم كثيرًا . وكان الأستاذ أبو على الدقاق يقول : الفرق : ما نسب إليك . والجمع : ما سلب عنك . ومعناه : أن يكون كسبًا للعبد ، من إقامة العبودية ، وما يليق بأحوال البشرية ، فهو : فرق . وما يكون من قبل الحق ، من إبداء معان ، وإسداء لطف وإحسان فهو : جمع هذا أدنى أحوالهم فى الجمع والفرق ، لأنه من شهود الأفعال . فمن أشهده الحق - سبحانه - أفعاله عن طاعاته ومخالفاته فهو : عبد بوصف التفرقة ، ومن أشهده لحق - سبحانه - ما يوليه : من أفعال نفسه سبحانه ، فهو : عبد بشاهد الجمع . فإثبات الخلق من باب التفرقة ، وإثبات الحق من نعت الجمع . ولابد للعبد من الجمع والفرق ، فإن من لا تفرقة له لا عبودية له ، ومن لا جمع له لا معرفة له ، فقوله : " إياك نعبد " إشارة إلى الفرق . وقوله : " وإياك نستعين " إشارة إلى الجمع . وإذا ما خاطب العبد الحق سبحانه ، بلسان نجواه : إما سائلا ، أو داعيًا ، أو مثنيًا ، أو شاكرًا ، أو متنصلاً ، أو مبتهلاً ؛ قام فى محل التفرقة . وإذا أصغى بسره إلى ما يناجيه به مولاه ، واستمع بقلبه ما يخاطبه به ، فيما ناداه ، أو ناجاه ، أو عرفه ، أو لوح لقلبه وأراده ، فهو بشاهد الجمع .
6) الحال عند القُشَيرى (1/154) : والحال عند القوم : معنى يَرِد على القلب ، من غير تعمد منهم ، ولا اجتلاب ، ولا اكتساب لهم ، من : طرب ، أو حزن ، أو بسط ، أو قبض ، أو شوق ، أو انزعاج أو هبة ، أو احتياج . فالأحوال : مواهب ، والمقامات . مكاسب . والأحوال تأتى من عين الجواد ، والمقامات تحصل ببذل المجهود . وصاحب المقام ممكن فى مقامه ، وصاحب الحال مُترقّ عن حاله .
7) الخواطر عند القُشَيرى (1/197) : والخواطر خطاب يَرد على الضمائر ، وهو قد يكون بإلقاء ملك ، وقد يكون بإلقاء شيطان ، ويكون أحاديث النفس ، ويكون من قبل الحق سبحانه . فإذا كان من الملك فهو الإلهام . وإذا كان من قبل النفس ، قيل له ، الهواجس . وإذا كان من قبل الشيطان فهو : الوسواس . وإذا كان من قبل الله سبحانه ، وإلقائه فى القلب ، فهو : خاطر حق . فإذا كان من قبل الملك ، فإنما يعلم صدقهُ بموافقة العلم ، ولهذا قالوا : كل خاطر لا يشهد له ظاهر فهو باطل . وإذا كان من قبل الشيطان فأكثره يدعو إلى المعاصى . وإذا كان من قبل النفس فأكثره ، يدعو إلى اتباع شهوة أواستشعار كبر ، أو ما هو من خصائص أوصاف النفس . واتفق المشايخ على أن من كان أكله من الحرام لم يفرق بين الإلهام والوسواس . وأجمع الشيوخ على أن النفس لا تصدق ، وأن القلب لا يكذب .
8) الذوق والشرب عند القُشَيرى (1/178) : ويعبرون بذلك عما يجدونه من ثمرات التجلى ، ونتائج الكشوفات ، وبوارد الواردات . وأول ذلك : الذوق ، ثم الشرب ، ثم الرىُّ . فصفاء معاملاتهم يوجب لهم ذوق المعانى . ووفاء منازلاتهم يوجب لهم الشرب . ودوام مواصلاتهم يقتضى لهم الرىَّ . فصاحب الذوق متساكر ، وصاحب الشرب سكران ، وصاحب الرىَّ صاح . ومن قوى حبه تسرمد شربه ، فإذا دامت به تلك الصفة لم يورثه الشرب سكرًا ، فكان صاحيًا بالحق ، فانيًا عن كل حظ : لم يتأثر بما يرد عليه ، ولا يتغير عما هو به . ومن صفا سره ، لم يتكدر عليه الشرب . ومن صار الشراب له غذاء له لم يصبر عنه . ولم يبق بدونه .
9) الروح عند القُشَيرى (1/205) : الأرواح مختلف فيها عند أهل التحقيق من أهل السنة : فمنهم من يقول : إنها الحياة . ومنهم من يقول : إنها أعيان مودعة فى هذه القوالب . والأرواح مخلوقة ، ومن قال بقدمها فهو مخطىء خطأً عظيمًا . والأخبار تدل على أنها أعيان لطيفة .
10) الستر والتجلىِّ عند القُشَيرى (1/182) : العوام فى غطاء الستر ، والخواص فى دوام التجلى . فصاحب الستر ، بوصف شهوده ، وصاحب التجلى أبدًا ، بنعت خشوعه . والستر للعوام عقوبة ، وللخواص رحمة ، إذ لولا أنه يستر عليهم ما يكاشفهم به ، لتلاشوا عند سلطان الحقيقة : ولكنه كما يظهر لهم ، يستر عليهم .
11) السرُّ عند القُشَيرى (1/206) : يحتمل أنها لطيفة مودعة فى القالب ، كالأرواح . وأصولهم تقتضى أنها محل المشاهدة ، كما أن الأرواح محل للمحبة ، والقلوبَ محل للمعارف . وقالوا : السر : مالك عليه إشراف ، وسر السرِّ : ما لا اطلاع عليه لغير الحق . وعند القوم : على موجب مواضعاتهم ومتقضى أصولهم : السر ألطف من الروح ، والروح أشرف من القلب . ويقولن : الأسرارُ معتْقة عن رقّ الأغيار من الآثار والأطلال . ويطلق لفظ " السرِّ " على ما يكون مصونًا مكتومًا بين العبد والحق سبحانه ، فى الأحوال . وعليه يحمل قول من قال .
12) الشاهد عند القُشَيرى (1/201) : ما يكون حاضر قلب الإنسان ، وهو ما كان الغالب عليه ذكره ، حتى كأنه يراه ويبصره ، وإن كان غائبًا عنه . فكل ما يستولى على قلب صاحبه ذكره فهو شاهده فإن كان الغالب عليه العلم ، فهو بشاهد العلم . وإن كان الغالب عليه الوجد ، فهو بشاهد الوجد . ومعنى الشاهد : الحاضر ، فكل ما هو حاضر قلبك فهو شاهدك .
13) الشريعة والحقيقة عند القُشَيرى (1/195) : الشريعة : أمر بالتزام العبودية . والحقيقة : مشاهدة الربوبية . فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبول . وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير مقبول . فالشريعة جاءت بتكليف الخلق ، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق . فالشريعة أن تعبده ، والحقيقة أن تشهده . والشريعة قيام بما أمر ، والحقيقة شهود لما قضى وقدر ، وأخفى وأظهر .
14) الصحو والسكر عند القُشَيرى (1/176) : فالصحو : رجوع إلى الإحساس بعد الغيبة . والسكر : غيبة بوارد قوى . والسكر زيادة على الغيبة من وجه ، وذلك أن صاحب السكر قد يكون مبسوطا إذا لم يكن مستوفى فى حال سكره ، وقد يسقط إخطار الأشياء عن قلبه فى حال سكره ، وتلك حال المتساكر ، الذى لم يستوفه الوارد ، فيكون للإحساس فيه مساغ ، وقد يقوى سكره حتى يزيد على الغيبة ، فربما يكون صاحب السكر أشد غيبة من صاحب الغيبة إذا قوى سكره ، وربما يكون صاحب الغيبة أتمَّ فى الغيبة من صاحب السكر ، إذا كان متساكرًا غير مستوف . والغيبة قد تكون للعباد ، بما يغلب على قلوبهم من موجب الرغبة والرهبة ومقتضيات الخوف والرجاء . والسكر لا يكون إلا لأصحاب المواجيد . فإذا كوشف العبد بنعت الجمال حصل السكر ، وطاب الروح ، وهام القلب . واعلم أن الصحو على حسب السكر ، فمن كان سكره بحق ، كان صحوه بحق . ومن كان سكره بحظ مشوبًا ؛ كان صحوه بحظ مصحوبًا . ومن كان محقا فى حاله كان محفوظًا فى سكره . والسكر والصحو يشيران إلى طرف من التفرقة . وإذا ظهر من سلطان الحقيقة علم فصفة العبد الثبور ، والقهر .
15) علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين عند القُشَيرى (1/199) : هذه عبارات عن علوم جلية . فاليقين : هو العلم الذى لا يتداخل صاحبه ريب على مطلق العرف . ولا يطلق فى وصف الحق سبحانه ؛ لعدم التوقيف . فعلم اليقين : هو اليقين ، وكذلك عين اليقين : نفس اليقين ، وحق اليقين ؛ نفس اليقين . فعلم اليقين ، على موجب اصطلاحهم ما كان بشرط البرهان . وعين اليقين ما كان بحكم البيان . وحق اليقين ما كان بنعت العيان . فعلم اليقين لأرباب العقول وعين اليقين لأصحاب العلوم . وحق اليقين لأصحاب المعارف .
16) الغيبة والحضور عند القُشَيرى (1/173) : فالغيبة : غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق ، لاشتغال الحس بما ورد عليه ، ثم قد يغيب عن إحساسه بنفسه وغيره ، بوارد من تذكر ثواب ، أو تفكر عقاب . وأما الحضور : فقد يكون حاضرًا بالحق ؛ لأنه إذا غاب عن الخلق حضر بالحق ، على معنى أنه يكون كأنه حاضر ، وذلك لاستيلاء ذكر الحق على قلبه ، فهو حاضر بقلبه بين يدى ربه تعالى ؛ فعلى حسب غيبته عن الحق يكون حضوره بالحق ، فإن غاب بالكلية كان الحضور على حسب الغيبة . فإذا قيل : فلان . حاضر ، فمعناه أنه حاضر بقلبه لربه ، غير غافل عنه ، ولا ساهٍ ، مستديم لذكره . ثم يكون مكاشفًا فى حضوره على حسب رتبته بمعان يخصه الحق سبحانه وتعالى بها . وقد يقال لرجوع العبد إلى إحساسه بأحوال نفسه ، وأحوال الخلق : إنه حضر أى رجع عن غيبته ، فهذا يكون حضورًا بخلق ، والأول حضورًا بحق . وقد تختلف أحوالهم فى الغيبة . فمنهم من لا تمتد غيبته ، ومنهم من تدوم غيبته .
17) الفرق الثانى عند القُشَيرى (1/168) : وهو أن يرد العبد إلى الصحو عند أوقات أداء الفرائض ، ليجرى عليه القيام بالفرائض فى أوقاتها ، فيكون رجوعًا لله تعالى لا للعبد بالعبد : فالعبد يطالع نفسه ، فى هذه الحالة ، فى تصريف الحق سبحانه ، يشهد مبدىء ذاته وعينه بقدرته ، ومجرى أفعاله وأحواله عليه ، بعلمه ومشيئته .
18) الفناء والبقاء عند القُشَيرى (1/170) : أشار القوم بالفناء : إلى سقوط الأوصاف المذمومة . وأشاروا بالبقاء : إلى قيام الأوصاف المحمودة به . وإذا كان العبد لا يخلو عن أحد هذين القسمين ، فمن المعلوم : أنه إذا لم يكن أحدُ القسمين كان القسمَ الآخر لا محالة ، فمن فنى عن أوصافه المذمومة ظهرت عليه الصفات المحمودة ، ومن غلبت عليه الخصال المذمومة استترت عنه الصفات المحمودة . واعلم أن الذى يتصف به العبد : أفعال ، وأخلاق ، وأحوال . فالأفعال : تصرفاته باختياره . والأخلاق : جبلَّة فيه ، ولكن تتغيَّر بمعالجته على مستمرِّ العادة . والأحوال : ترد على العبد على وجه الابتداء ، لكن صفاؤها بعد زكاء الأعمال . فهى كالأخلاق من هذا الوجه ، لأن العبد إذا نازل الأخلاق بقلبه فينفى بجهده سفسافها ، مَنّ الله عليه بتحسين أخلاقه ، فكذلك إذا واظب على تزكية أعماله ، ببذلك وُسعه من الله عليه بتصفية أحواله بل بتوفية أحواله . فمن ترك مذمومَ أفعاله بلسان الشريعة يقال : إنه فنى عن شهواته . فإذا فنى عن شهواته بقى بنيتَّه وإخلاصه فى عبوديته . ومن زَهد فى دنياه بقلبه ، يقال : فنى عن رغبته : فإذا فنى عن رغبته فيها بقى بصدق إنابته . ومن عالج أخلاقه ، فنفى عن قلبه الحسد والحقد ، والبخل ، والشح والغضب ، والكبر ، وأمثال هذا من رعونات النفس ، يقال : فنى عن سوء الخلق . فإذا فنى عن سوء الخلق بقى بالفتوة والصدق . ومن شاهد جريان القدرة فى تصاريف الأحكام ، يقال : فنى عن حسبان الحدثان من الخلق فإذا فنى عن توهم الآثار من الأغيار بقى بصفات الحقِّ . ومن استولى عليه سلطان الحقيقة حتى لم يشهد من الأغيار لا عينًا ولا أثرًا ؛ ولا رسمًا ، ولا طللاً ؛ يقال : إنه فنى عن الخلق وبقى بالحقِّ . ففناء العبد عن أفعاله الذميمة ، وأحواله الخسيسة : بعدم هذه الأفعال . وفناؤه عن نفسه ، وعن الخلق : بزوال إحساسه بنفسه وبهم . فإذا فنى عن الأفعال ، والأخلاق ، والأحوال ، فلا يجوز أن يكون ما فنى عنه من ذلك موجودًا . وإذا قيل : فنى عن نفسه ؛ وعن الخلق ، فنفسه موجودة ، والخلق موجودون . ولكنه لا علم له بهم ولا به ، ولا إحساس ، ولا خبر ، فتكون نفسه موجودة ، والخلق موجودين ولكنه غافل عن نفسه وعن الخلق أجمعين ، غير محس بنفسه وبالخلق .
19) القبض والبسط عند القُشَيرى (1/156) : وهما : حالتان ، بعد ترقىِّ العبد عن حالة الخوف والرجاء . فالقبض للعارف : بمنزلة الخوف للمستأنف . والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف . ومن الفصل بين القبض والخوف ، والبسط والرجاء : أن الخوف إنما يكون من شىء فى المستقبل ، إما أن يخاف فوت محبوب أو هجوم محذور . وكذلك الرجاء : إنما يكون بتأميل محبوب فى المستقبل ، أو بتطلع زوال محذور وكفاية مكروه فى المستأنف . وأما القبض : فلمعنى حاصل فى الوقت ، وكذلك البسط ، فصاحب الخوف والرجاء : تعلق قلبه فى حالتيه بآجله ، وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه فى عاجله .
20) القرب والبعد عند القُشَيرى (1/192) : أوَّل رتبة فى القرب : القربُ من طاعته ، والاتصاف فى دوام الأوقات بعبادته . وأمَّا البعد ، فهو التدنس بمخالفته ، والتجافى عن طاعته . فأوَّل البعد بعد عن التوفيق ، ثم بعد عن التحقيق ، بل البعد عن التوفيق هو البعد عن التحقيق ، فقُرْب العبد أولا قرب بإيمانه وتصديقه ، ثم قرب بإحسانه وتحقيقه . وقرب الحق سبحانه ، ما يخصه اليوم به من العرفان ، وفى الآخرة ما يكرِّمه به من الشهود والعيان ، وفيما بين ذلك من وجوه اللطف والامتنان . ولا يكونُ تقرُب العبد من الحق إلا ببعده عن الخلق ، وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون .
21) اللوائح ، والطوالع ، واللوامع عند القُشَيرى (1/186) : قال الأستاذ رضى الله عنه : هذه الألفاظ متقاربة المعنى ، لا يكاد يحصل بينها كبير فرق . وهى من صفات أصحاب البدايات الصاعدين فى الترقى بالقلب ، فلم يدم لهم بعد ضياء شموس المعارف . فاللوائح كالبروق ، ما ظهرت حتى استترت . واللوامع : أظهر من اللوائح : ليس زوالها بتلك السرعة ، فقد تبقى اللوامع وقتين وثلاثة . والطوالع : أبقى وقتًا ، وأقوى سلطانا ، وأدوم مكثًا ، وأذهب للظلمة وأنفى للتهمة ، لكنها موقوفة على خطر الأفول ، ليست برفيعة الأوج ، ولا بدائمة المكث ، ثم أوقات حصولها وشيكة الارتحال ، وأحوال أفولها طويلة الأذيال . وهذه المعانى ، التى هى : اللوائح واللوامع والطوالع ، تختلف فى القضايا ، فمنها ما إذا مات لم يبق عنها أثر ، كالشوارق إذا أفلت ، فكأنَّ الليل كان دائمًا . ومنها ما يبقى عنه أثر ، فإن زال رقمه بقى ألمه ، وإن غربت أنواره بقيت آثاره فصاحبه بعد سكون غلباته يعيش فى ضياء بركاته ، فإلى أن يلوح ثانيا يرجى وقته على انتظار عوده ، ويعيش بما وجد فى كونه .
22) المحاضرة ، والمكاشفة ، والمشاهدة عند القُشَيرى (1/184) : المحاضرة ابتداء ، ثم المكاشفة ، ثم المشاهدة . فالمحاضرة : حضور القلب ، وقد يكون بتواتر البرهان ، وهو بعدُ وراء الستر ، وإن كان حاضرًا باستيلاء سلطان الذكر . ثم بعده . المكاشفة : وهو حضوره بنعت البيان غير مفتقر فى هذه الحالة إلى تأملُّ الدليل ، وتطلب السبيل ، ولا مستجير من دواعى الريب . ولا محجوب من نعت الغيب . ثم المشاهدة : وهى حضور من غير بقاء تهمة .
23) المحو والإثبات عند القُشَيرى (1/180) : المحو : رفع أوصاف العادة : والإثبات : إقامة أحكام العبادة . فمن نفى عن أحواله الخصال الذميمة ، وأتى بدلها بالأفعال والأحوال الحميدة ، فهو صاحب محو وإثبات . وينقسم إلى محو الزلة عن الظواهر ، ومحو الغفلة عن الضمائر ، ومحو العلة عن السرائر ، ففى محو الزلة : إثبات المعاملات ؛ وفى محو الغفلة : إثبات المنازلات . وفى محو العلة إثبات المواصلات . هذا محو وإثبات بشرط العبودية . وأما حقيقة المحو والإثبات ، فصادران عن القدرة : فالمحو : ما ستره الحق ونفاه والإثبات ما أظهره الحق وأبداه . والمحو والإثبات مقصوران على المشيئة . قال الله تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " . قيل : يمحو عن قلوب العارفين ذكر غير الله تعالى ، ويثبت على ألسنة المريدين ذكر الله " ، ومحو الحق لكل أحد وإثباتهُ على ما يليق بحاله .
24) المقام عند القُشَيرى (1/153) : والمقام : ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب : مما يتوصَّل إليه بنوع تصرف ، ويتحقق به بضرب تطلُّب ، ومقاساة تكلف . فمقام كل أحد : موضع إقامته عند ذلك ، وما هو مشتغل بالرياضة له . وشرطه : أن لا يرتقى من مقام إلى مقام آخر ، ما لم يستوف أحكام ذلك المقام ، فإن من لا قناعة له لا تصح له التوكل ومن لا توكل له لا يصح له التسليم ، وكذلك من لا توبة له لا تصح له الإنابة ، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد . والمقام : هو الإقامة ، كالمُدخل بمعنى الإدخال ، والمخرج بمعنى الإخراج ولا يصحُّ لأحد منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام ، ليصحَّ بناء أمره على قاعدة صحيحة .
25) النفَس عند القُشَيرى (1/196) : النفَس : ترويح القلوب بلطائف الغيوب ، وصاحب الأنفاس أرق وأصفى من صاحب الأحوال ، فكان الوقت مبتدئًا ، وصاحب الأنفاس منتهيًا ، وصاحب الأحوال بينهما . فالأحوال وسائط ، والأنفاس نهاية الترقىِّ . فالأوقات لأصحاب القلوب ، والأحوال لأرباب الأرواح ، والأنفاس لأهل السَّرائر .
26) النفْس عند القُشَيرى (1/203) : نفْس الشىء فى اللغة : وجودُه . وعند القوم : ليس المراد من إطلاق لفظ النفْس الوجودَ ، ولا القالب الموضوع . إنما أرادوا بالنفس : ما كان معلولا من أوصاف العبد ومذمومًا من أخلاقه وأفعاله . ثم إن المعلولات من أوصاف العبد على ضربين : أحدهما : ما يكون كسبًا له ؛ كمعاصيه ومخالفاته . والثانى : أخلاقه الدنيئة ، فهى أنفسها مذمومة ، فإذا عالجها العبد ونازلها ، تنتفى عنه بالمجاهدة تلك الأخلاق على مستمر المادة . والقسم الأوَّل من أحكام النفس : ما نهى عنه نهى تحريم ، أو نهى تنزيه . وأما القسم الثانى ، من قسمى النفس : فسفساف الأخلاق ، والدنىء منها هذه حدُّه على الجملة .
27) الهيبة والأنس عند القُشَيرى (1/159) : وهما : فوق القبض والبسط . فكما أن القبض : فوق رتبة الخوف . والبسط : فوق منزلة الرجاء . فالهيبة : أعلى من القبض والأنس أتم من البسط ، وحق الهيبة الغيبة ، فكل هائب غائب .
28) الوارد عند القُشَيرى (1/200) : ما يرد على القلوب من الخواطر المحمودة ، مما لا يكون بتعمد العبد ، وكذلك ما لا يكون من قبيل الخواطر ، فهو أيضًا : وراد . ثم قد يكون وارد من الحق ، ووارد من العلم . فالواردات أعم من الخواطر ؛ لأن الخواطر تختص بنوع الخطاب ، أو ما يتضمن معناه . والواردات تكون : وارد سرور ، ووارد حزن ، ووارد قبض ؛ ووارد بسط ، إلى غير ذلك من المعانى .
29) الوقت عند القُشَيرى (1/151) : حقيقة الوقت عند أهل التحقيق : حادث متوهم علق حصوله على حادث متحقق فالحادث المتحقق ، وقت للحادث المتوهم ، تقول : آتيك رأس الشهر ، فالإتيان متوهم ورأس الشهر حادث متحقق . فرأس الشهر وقت الإتيان .
------------------
([1]) الرسالة القشيرية ، بتحقيق فضيلة الإمام الدكتور عبد الحليم محمود ، مصر : دار المعارف .

1- مصطلحات الصوفية عند السراج الطوسى من خلال كتابه اللمع

بسم الله الرحمن الرحيم
مصطلحات الصوفية عند السراج الطوسى من خلال كتابه اللمع(
[1])
1) الأبد والأبدية عند الطوسى (ص441) : نعت من نعوت الله تعالى ، والفرق بين الأزلية والأبدية : أن الأزلية لا بداية لها ولا أولية ، والأبدية لا نهاية لها ولا آخرية .
2) الأثر عند الطوسى (ص432) : علامةٌ لباقى شىء قد زال .
3) الأزل عند الطوسى (ص440) : معناه معنى القِدَم ؛ لأن القديم يسمى به غير البارئ ؛ ويقال : شىء أَقْدَمُ من شىء ؛ والأزل والأزلية لله تعالى لا يتسمى بالأزل شىء غير الله جل جلاله ، و " الأزل " اسم من أسماء الآولية ، فهو الله الأول القديم الذى لم يزل ولا يزال ، و " الأزلية " صفة من صفاته .
4) الأصل عند الطوسى (ص433) : حُجةٌ للزيادات التى هى الفروع ، والزيادات التى هى الفروع : مردودة إلى الأصول ؛ والأصل : الهداية والتوحيد والمعرفة ، والإيمان والصدق والإخلاص ، زياداتها بزيادة الهداية ، والأحوال ، والمقامات ، والأعمال ، والطاعات : زيادات هذه الأصول وفروعها ، وهى مسماة باسم " الأصول " لتزايدها وتزايد فروعها .
5) الأصل عند الطوسى (ص433) : هو الشىء الذى يكون له تزايدٌ ، فأضل الأصول الهداية .
6) الأصول عند الطوسى (ص433) : أصول الدين : مثل التوحيد ، والمعرفة ، والإيمان ، واليقين ، والصدق ، والإخلاص .
7) الاختبار عند الطوسى (ص429) : امتحان الحق للصادقين ، ليعمر بذلك منازل المخصوصين ، ويستخرج بامتحانه لهم منهم صِدْقَهم ، إثباتًا لحُجته على المؤمنين ؛ ليتأدب بهم المريدون .
8) الاختيار عند الطوسى (ص429) : إشارة إلى ما يختار الله للعبد ؛ ويختار العبد ذلك بعناية الله له ، حتى يختار باختيار الله له لا باختيار نفسه .
9) الاسم عند الطوسى (ص426) : حُروف جعلت لاستدلال المسمِى بالتسمية على إثبات المسمَّى فإذا سقطت الحروف ، معناه لا ينفصل عن المسمَّى .
10) الاصطفاء عند الطوسى (ص447) : معناه : الاجتباء فى سابق العلم ، وهو اسم مشترك ، قال الله تعالى : ( واجتبيناهم وهديناهم )([2]) ، وقال الله تعالى : ( الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس )([3]) .
11) الاصطلام عند الطوسى (ص450) : نعت غَلَبَةٍ تَرِدُ على العقول فيستلبها بقوَّة سلطانه وقَهْره .
12) الاصطناع عند الطوسى (ص447) : مرتبة خُص بها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والصديقون . وقال قوم : الاصطناع خص به موسى من جميع الأنبياء عليهم السلام لقوله : ( واصطنعتك لنفسى )([4]) . وقال قوم : هى مرتبة عليهم السلام دون غيرهم .
13) الامتحان عند الطوسى (ص448) : ابتلاء من الحق يحل بالقلوب المقبلة على الله تعالى ، و " محنتُها " : انقسامها وتشتُّتُها . و " الامتحان " على ثلاثة ، لقوم عنهم منهم عقوبة ، ولقوم منهم تمحيص وكفارة ، ولقوم استدعاء الزيادة وارتفاع درجة .
14) الانزعاج عند الطوسى (ص444) : تحرك القلب للمراد باليقظة من سنة الغفلة .
15) الانزعاج والازدعاج عند الطوسى (ص444) : بمعنى الانكساب والاكتساب .
16) بادى بلا بادى عند الطوسى (ص439) : يريد بذلك ما يبدو على قلوب أهل المعرفة من الأحوال والأنوار وصفاء الأذكار ؛ فإذا قال : " البادى " أشار إلى ذلك ، فإذا قال : " بلا بادى " أشار إلى أن البادى مُبْدئ ، هو يُبْدِى هذه البوادى على القلوب . قال الله تعالى : ( إنه هو يبدئ ويعيد )([5]) فإذا شاهد الحال الذى أْبَدَأَ به هو المبدئ ، فقال : بادى وأثبته ، وإذا شاهد المبدئ الذى منه البوادى يقول بلا بادى .
17) البادى عند الطوسى (ص418) : هو الذى يبدو على القلب فى الحين من حيث حال العبد ، فإذا بدا بادى الحق يُبيد كل بادٍ غير الحق .
18) بذل المهج عند الطوسى (ص443) : معناه : بذْلُ مجهود استطاعة العبد على قدر طاقته فى توجهه إلى الله تعالى وإيثاره الله عز وجل على جميع محابِّه .
19) بلا نفس عند الطوسى (ص436) : معناه : أنه لا يظهر عليه أخلاق النفس ، لأن من أخلاق النفس الغضب ، والحدة ، والتكبر ، والشَّرَه ، والطمع ، والحسد . فإذا كان عبدٌ قد سلَم من هذه الآفات وما شاكلَ ذلك يقال له : بلا نفس ، يعنى كأنه ليس له نفس .
20) البلاء عند الطوسى (ص429) : ظهور امتحان الحق لِعَبْدهِ فى حقيقة حاله بالابتلاء ؛ وهو : ما ينزل به من التعذيب .
21) البلاء عند الطوسى (ص429) : ورُوى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال [188] : " أُخبْرُ تَقْلِهُ " يعنى اخبرْ من شئِت وامتحْنه حتى تَقَلاَ عند استخراجك بالامتحان صِدْقَهُ عن الحال الذى هو فيه .
22) البَوْن عند الطوسى (ص432) : معناه البينونة .
23) التجريد عند الطوسى (ص425) : ما تجرد للقلوب من شواهد الألوهية إذا صفا من كدورة البشرية . والتجريد والتفريد والتوحيد ألفاظ مختلفة لمعانٍ متفقة وتفصيلها على مقدار حقائق الواجدين وإشاراتهم .
24) التَّجلى عند الطوسى (ص439) : إشراف أنوار إقبال الحق على قلوب المقبلين عليه .
25) التحقق عند الطوسى (ص413) : معناه معنى التحقق وهو مثل التعلم والتعليم .
26) التحلى عند الطوسى (ص439) : التلبس ، والتشبه بالصادقين ، بالأقوال ، وإظهار الأعمال .
27) التخلَّى عند الطوسى (ص440) : هو الإعراض عن العوارض المشغلة ، بالظاهر والباطن ، وهو اختيار الخلوة ، وإيثار العزلة ، وملازمة الوحدة .
28) التفرقة عند الطوسى (ص416) : أيضًا لفظ مجمل يعبر عن إشارة من أشار إلى الكون والخلق وهما أصلان لا يستغنى أحدهما عن الآخر ، فمن أشار إلى تفرقة بلا جمع فقد جحد البارئ ، ومن أشار إلى جمع بلا تفرقة ، فقد أنكر قدرة القادر فإذا جمع بينهما فقد وحدَّ .
29) التفريد عند الطوسى (ص425) : إفراد الممُفْرَد برَفْع الحدث وإفراد القِدَم بوجود حقائق الفردانية .
30) التلبيس عند الطوسى (ص449) : تحلِّى الشىء بنعت ضِده .
31) التلف عند الطوسى (ص444) : معناه : معنى اَلحتْف ؛ والحتف والتلف : ما يُنْتَظَرُ منه الهلاك فى حينه .
32) التلوين عند الطوسى (ص443) : معناه : تلوُّنُ العبد فى أحواله ، قال قومٌ : علامة الحقيقة التلوين ؛ لأن التلوين ظهور قدرة القادر ويُكْتَسَبُ منه الغيرة ؛ ومعنى التلوين : معنى التغيير . فمن أشار إلى تلوين القلوب وتغير الأحوال فقال : علامة الحقيقة رَفْعُ التلوين ، ومن أشار إلى تلوين القلوب والأسرار الخالصة لله تعالى فى مشاهدتها وما يرِدُ عليها : من التعظيم والهيبة وغير ذلك من تلوين الوارادات تلوين الواردات على أسرارهم .
33) التواجد ، والتساكر عند الطوسى (ص418) : وهو ما يمتزج من اكتساب العبد بالاستدعاء للوجد والسكر ، وتكلفه للتشبه بالصادقين من أهل الوجد ، والسكر .
34) توحيد الخاصة عند الطوسى (ص424) : قد ذكرْنا فى باب التوحيد ، وهو وجودُ عظمة وحدانية الله تعالى ، وحقيقة قُرْبه بذهاب حس العبد وحركته لقيام الله تعالى له فيما أراد منه .
35) توحيد العامة عند الطوسى (ص424) : معناه توحيد الإقرار باللسان والتحقيق بالقلب لما يقر بهِ اللسان بإثبات الموحدَّ بجميع أسمائه وصفاته بإثبات ما أثبت ونَفْىِ ما نَفى بإثبات ما أثبت الله لِنفسه ونَفْى ما نفى الله عن نفسه .
36) جذب الأرواح عند الطوسى (ص445) : فأما جذب الأرواح وسُمُوُّ القلوب ومشاهدة الأسرار والمناجاة والمخاطبة وما يشاكل ذلك ؛ فإن أكثرَ ذلك عباراتٌ تُعبر عن التوفيق والعناية ، وما يبدو على القلوب من أنوار الهداية على مقدار قرب الرجل وبُعده وصدقه وصفائه فى وجده .
37) الجمع عند الطوسى (ص416) : لفظ مجمل يعبر عن إشارة من أشار إلى الحق بلا خلق قبْلُ ولا كون كان ، إذ الكون والخلق مكوَّنان لا قوام لهما بنفسهما لأنهما وجود طرفىْ عدم .
38) الحال عند الطوسى (ص411) : نازلةٌ تنزل بالعبد فى الحين ، فيحل بالقلب من وجود الرضا والتفويض وغير ذلك ، فيصفْو له فى الوت فى حاله ووقته ويزول ، وهذا كما قال : الجُنَيدْ رحمه الله . وعند غيره ، والحال : ما يحل بالأسرار من صفاء الأذكار ولا يزول ، فإذا زال فلا يكون ذلك حالا .
39) الحجاب عند الطوسى (ص428) : حائلٌ يحول بين الشىء المطلوب المقصود وبين طالبه وقاصده .
40) الحَدَث عند الطوسى (ص448) : اسم لما لم يكن فكان .
41) الحرية عند الطوسى (ص450) : إشارة إلى نهاية التحقق بالعبودية لله تعالى ، وهو أن لا يملكك شىءٌ من المكونات وغيرها ، فتكون حُرِّا إذا كنتَ لله عبدًا .
42) الحس عند الطوسى (ص424) : رَسمُ ما يبدو من صفة النفس .
43) الحضور عند الطوسى (ص416) : حضور القلب لما غاب عن عيانه بصفاء اليقين فهو كالحاضر عنده وإن كان غائبًا عنه .
44) الحظوظ عند الطوسى (ص413) : حظوظ النفس والبشرية لا تجتمع مع الحقوق لأنهما ضدَّان لا يجتمعان . التحقيق تكلف العبد لاستدعاء الحقيقة جَهْدَه وطاقته .
45) الحق عند الطوسى (ص413) : هو الله عز وجل قال الله عز وجل : ]وإنَّ هُوَ الحقُّ المُبينُ [ .
46) الحقوق عند الطوسى (ص413) : معناه الأحوال والمقامات والإرادات والقصود والمعاملات والعبادات .
47) الحقيقة عند الطوسى (ص413) : اسم والحقائق جمع الحقيقة ، ومعناه وقوف القلب بدوام الانتصاب بين يدى من آمن به .
48) الحيرة عند الطوسى (ص421) : بديهةٌ ترِدُ على قلوب العارفين عند تأملهم وحضورهم وتفكرهم تحجبهم عن التأمل والفكرة . التحير منازلة تتولى قلوب العارفين بين اليأس والطمع فى الوصول إلى مطلوبه ومقصوده لا تطمعهم فى الوصول فيرتجوا ولا تؤيسهم عن الطلب فيستريحوا فعند ذلك يتحيرون .
49) الخاطر عند الطوسى (ص418) : تحريك السر لا بداية له ، وإذا خطر بالقلب فلا يثبت فيزول بخاطر آخرَ مثله .
50) الخصوص عند الطوسى (ص413) : أهل الخصوص هم الذين خصهم الله تعالى من عامة المؤمنين بالحقائق والأحوال والمقامات ، وخصوص الخصوص هم أهل التفريد وتجريد التوحيد ومن عبر الأحوال والمقامات وسلكها وقطع مفاوزها ، قال الله عز وجل ( ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) فالمقتصد خصوص والسابق خصوص الخصوص . الإشارة عند الطوسى (ص414) : ما يخفى عن المتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه .
51) الدعوى عند الطوسى (ص428) : إضافة النفس إليها ما ليس لها .
52) الدهشة عند الطوسى (ص421) : سطوة تَصْدِمُ عقل المحب من هيبة محبوبه إذا لقيه عند الإياس لم يجد لها عاهة إذا انقضت .
53) الذات عند الطوسى (ص427) : هى الشىء القائم بنفسه والاسمُ والنعت والصفة مَعالِمُ للذات فلا يكون الاسم والنعت والصفة إلا لذى ذات ، ولا يكون ذو ذوات إلا مسمَّى منعوتًا موصوفًا وذلك أن القادر اسمٌ من أسماء الله تعالى ، والقدرة صفة من صفات الله تعالى ، والتقدير نعت من نعوت الله تعالى ، والمتكلم اسم من أسماء الله عز وجل والكلام صفة من صفات الله تعالى ، والغفران نعت من نعوت الله تعالى .
54) الذهاب عند الطوسى (ص423) : بمعنى الغَيْبَة إلا أن الذهاب أتمُّ من الغيبة ، وهو ذهاب القلب عن حسِّ المحسوسات بمشاهدة ما شاهَدَ ، ثمَّ يذهب عن ذهابه " والذهاب عن الذهاب " هذا ما لا نهاية له .
55) الذوق عند الطوسى (ص449) : ابتداء الشِّرْب .
56) رَبُّ حال عند الطوسى (ص435) : معناه : أنه مربوط بحال من الأحوال التى ذكرنا من المحبة والخوف والرجاء والشوق وغير ذلك ؛ فإذا كان الأغْلَبَ على العبد حالٌ من هذه الأحوال يقال له : رَبُّ حال .
57) الرَّسْم عند الطوسى (ص427) : ما رُسِمَ به ظاهر الخلق برسم العلم ورسْم الخلق فيمتحى بإظهار سلطان الحق عليه .
58) الرمز عند الطوسى (ص414) : معنى باطن مخزون تحت كلام ظاهر لا يظفر به إلا أهلهُ .
59) الرمس والدمْس عند الطوسى (ص434) : يعنى الدفن : ويقال للمقبرة : الدَّيمْاس .
60) الروح والتروح عند الطوسى (ص427) : نسيم تُنَسَّمُ به قلوب أهل الحقائق فيتروح من تَعَبِ ثِقل ما حُمِّلَ من الرعاية بحُسْن العناية .
61) الرَّيْن عند الطوسى (ص450) : هو الصَّدَأ الذى يقع على القلوب . قال الله تعالى : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )([6]) .
62) الزوايد عند الطوسى (ص415) : زيادات الإيمان بالغيب واليقين كلما ازدادت الإيمان واليقين زاد الصدق والإخلاص فى الأحوال والمقامات والإرادات والمعاملات .
63) السبب عند الطوسى (ص434) : الواسطة . والأسباب والوسائط التى بين الخلق وبين الله تعالى .
64) السر عند الطوسى (ص430) : خَفَاءٌ بين العدم والوجود موجود فى نعماه .
65) الشاهد عند الطوسى (ص415) : ما يشهدك بما غاب عنك ، يعنى يُحضر قلبك لوجوده ، والشاهد أيضًا بمعنى الحاضر .
66) الشرب عند الطوسى (ص449) : تلقى الأرواح والأسرار الطاهرة لما يردُ عليها من الكرامات وتنعمها بذلك ، فشبه ذلك بالشِّرْب ، لتهنيِه وتنعمه بما يردُ على قلبه من أنوار مشاهدة قُرْب سيده .
67) الشرود عند الطوسى (ص446) : نفْرُ الصفات من منازلات الحقائق وملازمة الحقوق .
68) الشطح عند الطوسى (ص422) : كلام يترجمه اللسان عن وَجْد يفيض عن مَعْدنه مقرونٌ بالدعوى إلا أن يكون صاحبه مستلبًا ومحفوظًا .
69) صاحِبُ إشارة عند الطوسى (ص436) : معناه : أن يكون كلامه مشتملا على اللطائف والإشارات وعلم المعارف .
70) صاحبُ قلب عند الطوسى (ص435) : معناه : أن ليس له عبارة اللسان وفصاحة البيان عن العلم الذى قد اجتمع فى قلبه .
71) صاحِبُ مقام عند الطوسى (ص436) : معناه : أن يكون مقيما فى مقام من مقامات القاصدين ، مثل التوبة ، والورع ، والزهد ، والصبر ، وغير ذلك ؛ فإذا عُرف بالمقام فى شىء من ذلك يقال له : صاحب مقام .
72) الصحو والسكر عند الطوسى (ص416) : معناهما قريب من معنى الغيبة والحضور ، غير أن الصحو والسكر أقوى وأتم وأقهر من الغيبة والحضور .
73) صفاء الصفاء عند الطوسى (ص415) : إبانة الأسرار عن المحدثَات لمشاهدة الحق بالحق على الاتصال بلا علة .
74) الصفاء عند الطوسى (ص414) : ما خلص من ممازجة الطبع ورؤية الفعل من الحقائق فى الحين .
75) الصفة عند الطوسى (ص427) : ما لا ينفصل عن الموصوف ولا يقال هو الموصوف ولا غير الموصوف .
76) صفوة الوجد عند الطوسى (ص417) : أن لا يعارضه فى وجده شىءٌ غير وجوده .
77) الصول عند الطوسى (ص423) : الاستطالة باللسان من المريدين والمتوسَّطين على أبناء جنْسهم بأحوالهم وهو مذموم .
78) الطمس عند الطوسى (ص434) : مَحْوُ البيان عن الشىء البيِّن .
79) الطوارق عند الطوسى (ص422) : ما يطرق قلوب أهل الحقائق من طريق السمع فيجدد لهم حقائقهم .
80) الطوالع عند الطوسى (ص422) : أنوار التوحيد تطلع على قلوب أهل المعرفة بتشعشها فيطمئن ما فى القلوب من الأنوار بسلطان نورها كالشمس الطالعة إذا طلعت يخْفى على الناظر من سطوة نورها أنوارُ الكواكب وهى فى أماكنها .
81) العارض عند الطوسى (ص419) : ما يعرض للقلوب والأسرار من إلقاء العدو والنفس والهوى ، فكل ما يكون من إلقاء النفس والعدو والهوى فهو العارض دون الخاطر والقادح واليادى والوارد .
82) العقد عند الطوسى (ص430) : عَقْدُ السر ، وهو ما يعتقد العبَدُ بقلبه بينه وبين الله تعالى أن يفعل كذا أو لا يفعل كذا .
83) العلة عند الطوسى (ص440) : كناية عن بعض ما لم يكن فكان .
84) العين عند الطوسى (ص450) : إشارة إلى ذات الشىء الذى تبدو منه الأشياء .
85) الغشْية عند الطوسى (ص416) : هى غيبة القلب بما يرِدُ عليه ويظهر ذلك على ظاهر العبد .
86) الغيبة عند الطوسى (ص416) : غيبة القلب عن مشاهدة الخلق بحضوره ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر العبد .
87) الغَيْن عند الطوسى (ص451) : قد أكثروا فى وصفه ، وهو خَبَرٌ ضعيفٌ ، قد رُوى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال [191] : " إنَّه لَيُغَانُ على قلبى فأستغفر الله وأتوبُ إليه فى اليوم مائة مرة " فقالوا : الغَين الذى كان يعارض قلبَ النبى صلى الله عليه وسلم ، وكان يتوب منه ، مَثَلُه مثلُ المرآة إذا تنفس فيها الناظر فينقص من ضوئها ثمَّ تعود إلى حالة ضوئها . وقال قوم : هذا مُحال ؛ لأن قلْب النبى صلى الله عليه وسلم لا يلحقه قهرٌ من الخلق ، لأنه مخصوص بالرؤية .
88) الفرع عند الطوسى (ص433) : ما تزايد من الأصل ، فإذا تزايد من الفرع زيادةً تسمى باسم الأصل .
89) الفرق بين السكر والغشية عند الطوسى (ص417) : أن السكر ليس نشأتُه من الطبع لا يتغير عند وروده الطبع ، والحواسَّ ، والغشية ، نشأتها ممزوجة بالطبع تتغير عند ورودها الطبع والحواس ، وتنتقص منها الطهارة ، والغشية لا تدوم ، والسكر يدوم ، والفرق بين الحضور والصحو : أن الصحو حادث ، والحضور على الدوام .
90) الفصل عند الطوسى (ص433) : فوت الشىء المرجوّ من المحبوب .
91) الفناء والبقاء عند الطوسى (ص417) : معنى الفناء فناء صفة النفس ، وفناء المنع والاسترواح إلى حال وقع ، والبقاء بقاء العبد على ذلك ، وأيضًا فناء هو فناء رؤيا العبد فى أفعاله لأفعاله بقيام الله له فى ذلك ، والبقاء بقاء رؤية العبد بقيام الله له فى قيامه لله قبل قيامه لله بالله .
92) القادح عند الطوسى (ص419) : قريب من الخاطر إلا أن الخاطر لقلوب أهل اليقظة ، والقادح لأهل الغفلة ؛ فإذا تقشع عن قلوبهم غُيوم الغفلة قدح فيها قادحُ الذكر .
93) القبض والبسط عند الطوسى (ص419) : حالان شريفان لأهل المعرفة إذا قبضهم الحق أحشمهم عن تناول القوام والمُباحات والأكل والشرب والكلام ، وإذا بسطهم ردهم إلى هذه الأشياء وتولى حِفظهم فى ذلك ، فالقبض حال رجل عارف ليس فيه فضل لشىء غير معرفته والبسط حال رجل عارف بسطه الحق وتولى حفظه حتى يتأدب الخلق به ، قال الله تعالى : ( والله يقبض ويبسط وإليه المصير )([7]) . وقال الجنيد رحمه الله فى معنى القبض والبسط : يعنى الخوف والرجاء ؛ يبسط إلى الطاعة ، والخوف يقبض عن المعصية ، وقد قال القائل فى صفة حال العارف المنقبض ، وصفة حال العارف المنبسط فقال : #معارفُ الحقِّ تحويها إذا نشِرَتْ *ثلاثةٌ بعدها الأرواح تُخْتلَسُ# فعارفٌ بحُظوظِ الحقِّ ليس* له عنه سواه ولا منه له نفَسُ#وعارفٌ بِوَلا المَلِيك معترفٌ *يحثُّهُ الوجد ما ولَّى لهُ الغلسُ#وعارفٌ غاب عنه العُرْف فاعتسفتْ* منه السراير مطوىُّ الذرَى شرِسُ#حتى استكانَ وغاب الوَعث فى مهَل* فطار شيئانِ عنه النُّطق والخَرسُ#أغاثه الحقُّ عما دُونه فله* منه إليه سِرارٌ وحْيُها خَنِسُ# يذكر أن العارفين على ثلاثة أصناف : صنف منهم ليس لهم منه نفَس ، وصنف منهم يحثهم الوجد إلى الحال الذى يتولاهم الحق بالكلاية([8]) فيها ، وصنف منهم غاب عنهم العرف والعادة واستوى عندهم النطق والصمت وغير ذلك بعناية الحق لهم ، فإن سكتوا فلله يسكتون ، وإن نطقوا فعن الله ينطقون . والغيبة ، والحضور ، والصحو ، والسكر ، والوجد ، والهجوم ، والغلبات ، والفناء ، والبقاء ، فاعلم أن ذلك من أحوال القلوب المتحققة بالذكر والتعظيم لله عز وجل .
94) القصم عند الطوسى (ص434) : الكسر .
95) القصود عند الطوسى (ص446) : معناه : الإرادات والنيات الصادقة ، المقرونة بالنهوض إليه .
96) قطْعُ العلائق عند الطوسى (ص438) : فمعنى العلائق : الأسباب التى قد علق على العبد وشغله بذلك حتى قطعه عن الله تعالى .
97) الكشف عند الطوسى (ص422) : بيان ما يستتر على الفهم فيكشفُ عنه للعبد كأنه رَأىُ عَين .
98) الكلية عند الطوسى (ص448) : اسم لجماع الشىء الذى لم يبق منه بقيةٌ .
99) الكون عند الطوسى (ص432) : اسم مجمل لجميع ما كونه المكوِّن بين الكاف والنون .
100) اللجأ عند الطوسى (ص444) : توجه القلوب إلى الله تعالى بصدق الفاقة والرجاء .
101) اللحظ عند الطوسى (ص431) : إشارة إلى ملاحظة أبصار القلوب لما يلوح لها من زوائد اليقين بما آمن به فى الغيوب .
102) اللسان عند الطوسى (ص430) : معناه : البيان عن علم الحقائق .
103) اللطيفة عند الطوسى (ص448) : إشارة تلوحُ فى الفهم وتلمعُ فى الذهن ، ولا تَسَعُها العبارة لدقة معناها .
104) اللوائح عند الطوسى (ص412) : ما يلوح للأسرار الظاهرة لزيادة السمو والانتقال من حال إلى حال أعلى من ذلك .
105) اللوامع عند الطوسى (ص412) : معناه قريب من اللوائح وهو مأخوذ من لوامع البرق إذا لمعت فى السحاب طمع الصادى والعطشان فى المطر .
106) المأخوذ والمستلَب عند الطوسى (ص420) : بمعنى واحد ، إلا أن المأخوذ أتمُّ فى المعنى وهم العبيد الذين وصْفُهم فى الحديث المروى عن النبى صلى الله عليه وسلم الذى قال [181] : " يظن الناس أنهم قد خالطوا وما خولطوا ولكن خالط قلوبهم من عظمة الله تعالى ما أذهَبَ بعقولهم " . وفى الحديث روُى أيضًا عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال [182] : " لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يظن الناس أنه مجنون " .
107) المبتدئ عند الطوسى (ص417) : هو الذى يبتدئ بقوة العزم فى سلوك طرقات المنقطعين إلى الله تعالى ويتكلف لآداب ذلك ويتأهب للتأدب بالخدمة والقبول من الذى يعرف الحال الذى ابتدأ به وأشرف عليه من بدايته إلى نهايته .
108) المحق عند الطوسى (ص431) : بمعنى المحو ؛ إلا أن المحق أتمُّ ، لأنه أسرعُ ذهابًا من المحو .
109) المحو عند الطوسى (ص431) : ذهاب الشىء إذا لم يبق له أثرٌ ، وإذا بقى له أثرٌ فيكون طمسًا .
110) المراد عند الطوسى (ص418) : العارف الذى لم يبق له إرادة ، وقد وصل إلى النهايات وعبر الأحوال والمقامات والمقاصد والإرادات فهو مراد أُريد ، ولا يريد إلا ما يريد .
111) المريد عند الطوسى (ص417) : الذى صح له الابتداء وقد دخل فى جملة المنقطعين إلى الله تعالى بالاسم ، وشهد له قلوبُ الصادقين بصحة إرادته ولم يترسم بعدُ بحال ولا مقام فهو فى السير مع إرادته .
112) المسامرة عند الطوسى (ص426) : عتاب الأسرار عند خفى التذكار .
113) المسْخ عند الطوسى (ص448) : معناه مسخُ القلوب ؛ وذلك للمطرودين من الباب ؛ كانت لهم قلوب متوجهةٌ فمسِخَت بالإعراض عنها ، وجعلت توجهها إلى الحظوظ دون الحقوق ؛ فإذا قال القائل : فلان قد مُسخ به معناه : أى أعْرَض بقلبه .
114) المشاهدةِ عند الطوسى (ص412) : بمعنى المداناة ، والمحاضرة ، والمكاشفة والمشاهدة ، تتقاربان فى المعنى إلى أن الكشف أتم فى المعنى .
115) المعدوم عند الطوسى (ص415) : الذى لا يوجدُ ولا يمكن وجودُهُ ، فإذا عدمتَ شيئًا ويمكن وجوده فذاك مفقود وليس بمعدوم .
116) المقام عند الطوسى (ص411) : هو الذى يقوم بالعبد فى الأوقات مثل مقام الصابرين والمتوكلين وهو مقام العبد بظاهره وباطنه فى هذه المعاملات والمجاهدات والإردات ، فمتى أقام العبد فى شىء منه على التمام فهو مقامه حتى ينتقل منها إلى مقام آخر كما ذكرته فى باب المقامات والأحوال .
117) المكان عند الطوسى (ص412) : هو لأهل الكمال والتمكين والنهاية ، فإذا كمل العبد فى معانيه تمكن له المكان لأنه قد عبر المقامات والأحوال فيكون صاحب مكان .
118) المناجاة عند الطوسى (ص425) : مخاطبة الأسرار عند صفاء الأذكار للملك الجبار .
119) المُهَج عند الطوسى (ص444) : جميع المحبوبات إليك ، من النفس ، والمال ، والولد .
120) النسبة عند الطوسى (ص435) : الحال الذى يتعرف به صاحبه ، بمعنى : انتسابه إليه .
121) النعت عند الطوسى (ص427) : إخبار الناعتين عن أفعال المنعوت وأحكامه وأخلاقه ويُحتمل أن يكون النعت والوصف بمعنى واحد إلا أن " الوصف " يكون مُجْمَلاً والنعت يكون مبسوطًا ، فإذا وصف جَمَعَ وإذا فَرَّقَ .
122) النَّفَس عند الطوسى (ص424) : تروُّحُ القلب عند الاحتراق .
123) الهجوم والغلبات عند الطوسى (ص417) : متقاربا المعنى إلا أن الهجوم فعلُ صاحب الغلبات ، وذلك عند قوَّة الرغبة ، والانفلات من دواعى الهوى والنفوس عند قوة رغبة الطالب إذا لاح له أعلام المزيد فى حال طلبه المطلوبَ ؛ فلو ظن أن مطلوبه وراء بحر سَبحَهَ أو فى تيه سلكه بالهجوم عند غلبات الإرادة وقوة سلطان المطالبة عليه لو رأى نارًا اقتحمها بالهجوم بتلف الروح وبَذل المُهْجة سواء أو صله ذلك إلى مطلوبه أو لم يُوصله فذلك معنى الهجوم والغلبات .
124) الهَم المفرَّد والسِر المجرَّد عند الطوسى (ص425) : بمعنى واحد ، وهو هم العبد وسِره إذا تجرد من جميع الأشغال وتفرد بمراقبة ذى الجلال فلا تُعارضه خواطر قاطعة ولا عوارض مانعة عن التوجه والإقبال والقُرْب والاتصال .
125) هو بلا هو عند الطوسى (ص438) : فهى إشارة إلى تفريد التوحيد ، كأنه يقول : هو بلا قول القائل : هو ، ولا كتابة الكاتب ، هو ، وهو بلا ظهور هذْين الحرفين ، يعنى الهاء والواو ، بمعنى : هو .
126) الوارد عند الطوسى (ص418) : ما يرد على القلوب بعد البادى فيستغرقها والوارد له فِعِلٌ وليس للبادى فعل ، لأن البوادى بدايات الواردات .
127) الواقع عند الطوسى (ص418) : ما يثبت ولا يزول بواقع آخر .
128) الوجد عند الطوسى (ص418) : مصادفة القلوب لصفاء ذِكر كان عنه مفقودًا .
129) الوجد والفقد عند الطوسى (ص424) : يُدْرَكان بحاسة وهما محسوسان .
130) الوسائط عند الطوسى (ص452) : الأسباب التى بين الله تعالى وبين العبد من أسباب الدنيا والآخرة .
131) الوَسْم عند الطوسى (ص427) : ما وَسَمَ الله به المخلوقين فى سابق عِلمه بما شاء كيف شاء فلا يتغير عن ذلك أبدًا ولا يطلع على علم ذلك أحدٌ .
132) الوصل عند الطوسى (ص433) : معناه لحوق الغائب .
133) الوطر عند الطوسى (ص445) : مُنيةُ وتمتع محمودة خارجة عن نعت البشرية وحظوظ النفسانية . ويقال : فلان هو المتمكن فى وطنه والمعلى فى وَطَره .
134) الوقت عند الطوسى (ص418) : ما بين الماضى والمستقبل . قال الُجنَيد رحمه الله : الوقت عزيز إذا فات لا يُدْرَك : يعنى نَفَسَك ووقتك الذى بين النفس الماضى والنفَس المستقبل ، إذا فاتك بالغفلة عن ذكر الله تعالى فلا تلحقه أبدًا .
([1]) اللمع ، للسراج الطوسى ، بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ، ط مكتبة الثقافة الدينية .
([2]) الأنعام : 87 .
([3]) الحج : 75 .
([4]) طه : 41 .
([5]) البروج : 13 .
([6]) المطففين : 14 .
([7]) البقرة : 245 .
([8]) الكلاية يعنى الكلاءة ، وهو الحفظ .